ولما كان ما قيل جارياً مجرى القسم، تلقى بلامه، فكان كأنه قيل : تاذن مقسماً بعزته وعظمته وعلمه وقدرته :﴿ليبعثن﴾ أي من مكان بعيد، وأفهم أنه بعث عذاب بأداة الاستعلاء المفهمة لأن المعنى : ليسلطن ﴿عليهم﴾ أي اليهود، ومد زمان التسليط فقال :﴿إلى يوم القيامة﴾ الذي هو الفيصل الأعظم ﴿من يسومهم﴾ أي ينزل بهم دائماً ﴿سوء العذاب﴾ بالإذلال والاستصغار وضرب الجزية والاحتقار، وكذا فعل سبحانه فقد سلط عليهم الأمم ومزقهم في الأرض كل ممزق من حين أنكروا رسالة المسيح عليه السلام، كما أتاهم به الوعد الصادق في التوارة، وترجمة ذلك موجودة بين أيديهم الآن في قوله في آخر السفر الأول : لا يزول القضيب من آل يهودا، لا يعدم سبط يهودا ملكاً مسلطاً واتخاذه نبياً مرسلاً ختى يأتي الذي له الملك - وفي نسخة : الكل - وإياه تنتظر الشعوب، يربط بالحلبة جحشه ؛ وقال السمؤال في أوائل كتابه غاية المقصود : نقول لهم : فليس في التوارة التي في أيديكم ما تفسيره : لا يزول الملك من آل يهودا والراسم بين ظهرانيهم إلى أن يأتي المسيح فلا يقدرون على جحده، فنقول لهم : إذاً علمتم أنكم كنتم أصحاب دولة وملك إلى ظهور المسيح ثم انقضى ملككم - انتهى.
ومن أيام رسالة المسيح سلط الله عليهم الأمم ومزقهم في الأرض، فكانوا مرة تحت حكم البابليين، وأخرى تحت أيدي المجوس، وكرة تحت قهر الروم من بني العيص، وأخرى في أسر غيرهم إلى أن أتى النبي ـ ﷺ ـ فضرب عليهم الجزية هو وأمته من بعده.
ولما كان السياق للعذاب وموجباته، علل ذلك مؤكداً بقوله :﴿إن ربك﴾ أي المحسن إليك بإذلال أعدائك الذين هم أشد الأمم لك ولمن آمن بك عداوة ﴿لسريع العقاب﴾ أي يعذب عقب الذنب بالانتقام باطناً بالنكته السوداء في القلب، وظاهراً - إن أراد - بما يريد، وهذا بخلاف ما في الأنعام فإنه في سياق الإنعام بجعلهم خلائف.


الصفحة التالية