وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ ﴾
يعني أولاد الذين فرّقهم في الأرض.
قال أبو حاتم :"الخَلْف" بسكون اللام : الأولاد، الواحد والجميع فيه سواء.
و"الخلَف" بفتح اللام البَدَل، ولداً كان أو غريباً.
وقال ابن الأعرابيّ :"الْخَلَفُ" بالفتح الصالح، وبالجزم الطالح.
قال لَبِيد :
ذهبَ الذين يُعاشُ في أكنافِهم...
وبقيْتُ في خلْف كجِلْد الأجْرَبِ
ومنه قيل للرديء من الكلام : خَلْف.
ومنه المثل السائر "سَكَت ألْفاً ونطق خَلْفاً".
فخلفٌ في الذَّم بالإسكان، وخَلَفٌ بالفتح في المدح.
هذا هو المستعمل المشهور.
قال ﷺ :" يَحمِل هذا العلم مِن كل خَلَف عدولُه " وقد يستعمل كل واحد منهما موضع الآخر.
قال حسان بن ثابت :
لنا القَدَمُ الأُولَى إليك وخَلْفُنا...
لأوّلنا في طاعة اللّه تابع
وقال آخر :
إنا وجدنا خَلَفاً بئس الخلَفْ...
أغلق عنا بابَه ثم حلف
لا يُدخل البوابُ إلا من عرف...
عبداً إذا ما ناء بالحِمل وَقَفْ
ويروى : خَضَف ؛ أي رَدَم.
والمقصود من الآية الذّمّ.
﴿ وَرِثُواْ الكتاب ﴾ قال المفسرون : هم اليهود، ورِثوا كتاب الله فقرؤوه وعلموه، وخالفوا حكمه وأتَوْا محارمه مع دراستهم له.
فكان هذا توبيخاً لهم وتقريعاً.
﴿ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذا الأدنى ﴾ ثم أخبر عنهم أنهم يأخذون ما يعرض لهم من متاع الدنيا لشدّة حرصهم ونهمهم.
﴿ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا ﴾ وهم لا يتوبون.
ودلّ على أنهم لا يتوبون.
قوله تعالى :﴿ وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ ﴾ والعَرَض : متاع الدنيا ؛ بفتح الراء.
وبإسكانها ما كان من المال سوى الدراهم والدنانير.
والإشارة في هذه الآية إلى الرَشا والمكاسب الخبيثة.