ومما يؤيد معنى التمثيل حديث أنس في الصحيح " يقول الله لأهون أهل النار عذاباً : لو أن لك ما في الأرض من شيء كنت تفتدي به؟ قال : نعم، قال : فقد سألتك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم أن لا تشرك شيئاً، فأبيت إلا الشرك " وذلك لأن التصريح بالآباء ينافي كون الإقرار على حقيقته، والأخذ وهو في الصلب إنما هو بنصب الأدلة وتقرير الحق على و جه مهيىء للاستدلال بتركيب العقل على القانون الموصل إلى المقصود عند التخلي من الحظوظ والشوائب، وهذا الذي وقع تأويل الآية به لا يعارضه حديث الاستنطاق في عالم الذر على تقدير صحته، فإنه روي من طرق كثيرة جداً ذكرتها في كتابي سر الروح، منها في الموطأ ومسند أحمد وإسحاق بن راهويه ومحمد بن نصر المروزي وأبي يعلى الموصلي ومستدرك الحاكم وكتاب المائتين لأبي عثمان الصابوني عن صحابة وتابعين مرفوعاً وموقوفاً - منهم عمر وأبيّ بن كعب وأبو هريرة وحكيم بن حزام وعبدالله بن سلام وعبد الله بن عمرو وابن عباس وابن مسعود ـ رضى الله عنهم ـ م، وعن محمد بن كعب وعطاء بن يسار وسعيد بن المسيب وأبي العالية رحمهم الله، وإنما كان لا يعارضه لأن في بعض طرقه عن أبيّ بن كعب ـ رضى الله عنهم ـ أنه سبحانه قال بعد أن استنطقهم :" فإني أشهد عليكم السماوات السبع والأرضين السبع، وأشهد عليكم أباكم آدم أن تقولوا يوم القيامة : إنا كنا عن هذا غافلين، فلا تشركوا بي شيئاً، فإني أرسل إليكم رسلي يذكرونكم عهدي وميثاقي، وأنزل عليكم كتبي، فقالوا : نشهد أنك ربنا وإلهنا، لا رب لنا غيرك " فالاستنطاق في الحديث على بابه، عبرة لأبينا آدم عليه السلام ومن حضر ذلك من الخلق، وإيقافاً لهم على بديع قدرته وعظيم علمه، وإشهاد ما أشهد من المخلوقات بمعنى أنه نصب فيها من الأدلة ما يكون إقامة الحجة به عليهم بالنقض إن أشركوا كشهادة الشاهد الذي لا يرد، وليس في شيء من الروايات ما ينافي هذا ؛ والحاصل أنه أخذ
علينا عهدان : أحدهما حالي تهدى إليه العقول، وهو نصب الأدلة، والآخر مقالي أخبرت به الرسل، كل ذلك للإعلام بمزيد الاعتناء بهذا النوع البشري لما له من الشرف الكريم ويراد به من الأمر العظيم - والله الموفق. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ١٤٨ ـ ١٤٩﴾