أما الأول : فبأن يقال : إذا قالوا شهدنا يومئذ فلما زال علم الضرورة ووكلنا إلى آرائنا كان كذا أيها الكذابون متى وكلتم إلى إرائكم ألم نرسل رسلنا تترى ليوقظكم عن سنة الغفلة؟ وأما الثاني : فبأن يقال : إن هذا مشترك الالزام فإنه إذا قيل لهم : ألم نمنحكم العقول والبصائر : فلهم أن يقولوا؟ فإذا حرمنا اللطف والتوفيق فأي منفعة لنا في العقل والبصيرة؟ وذكر محيى السنة في جواب أنه كيف تلزم الحجة ولا أحد يذكر ذلك الميثاق أن الله تعالى قد أوضح الدلائل على وحدانيته وصدق رسله فيما أخبروا به فمن أنكره كان معانداً ناقضاً للعهد ولزمته الحجة ونسيانه وعدم حفظه لا يسقط الاحتجاج بعد إخبار المخبر الصادق، ولا يخفى ما فيخ، ولهذا أجاب بعضهم بأن قوله تعالى :﴿ أَن تَقُولُواْ ﴾ [ الأعراف : ١٧٢ ] الخ ليس مفعولاً له لقوله تعالى :﴿ وَأَشْهَدَهُمْ ﴾ [ الأعراف : ١٧٢ ] وما يتفرع عليه من قولهم ﴿ بلى شَهِدْنَا ﴾ [ الأعراف : ١٧٢ ] حتى يجب كون ذلك الإشهاد والشهادة محفوظاً لهم في إلزامهم بل لفعل مضمر ينسحب عليه الكلام، والمعنى فعلنا ما فعلنا من الأمر بذكر الميثاق وبيانه كراهة أن تقولوا أو لئلا تقولوا أيها الكفرة يوم القيامة إنا كنا غافلين عن ذلك الميثاق لم ننبه عليه في دار التكليف وإلا لعملنا بموجبه، هذا على قراءة الجمهور، أما على القراءة الأخرى فهو مفعول له لنفس الأمر المضمر العامل في ﴿ إِذْ أَخَذَ ﴾ [ الأعراف : ١٧٢ ] والمعنى اذكر لهم الميثاق المأخوذ منهم فيما مضى لئلا يعتذروا يوم القيامة بالغفلة عنه أو بتقليد الآباء، ثم قال : هذا على تقدير كون ﴿ شهدنا ﴾ [ الأعراف : ١٧٢ ] من كلام الذرية وهو الظاهر فإما على تقدير كونه من كلام الله تعالى فهو العامل في
﴿ أَن تَقُولُواْ ﴾ [ الأعراف : ١٧٢ ] ولا محذور أصلاً والمعنى شهدنا قولكم هذا لئلا تقولوا يوم القيامة الخ لأنا نردكم ونكذبكم حينئذ انتهى.