الثاني : استدل بهذه الآية والأحاديث المتقدمة في معناها، أن معرفته تعالى فطرية ضرورية، قال تعالى :﴿ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكّ ﴾، و قال تعالى :﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴾.
﴿ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ ﴾.
وعن عِمْرَان بن حصين قال : قال النبي ﷺ لأبي :< يا حصين : كم تعبد اليوم إلهاً ؟ > قال أبي : سبعة، ستاً في الأرض، وواحداً في السماء ؟ قال :< فأيهم تُعد لرغبتك ورهبتك ؟ > قال : الذي في السماء. - رواه الترمذي-
فالله تعالى فطر الخلق كلهم
على معرفته فطرة توحيد، حتى من خلق مجنوناً مطبقاً مصطلماً لا يفهم شيئاً، ما يحلف إلا به، ولا يلهج لسانه بأكثر من اسمه المقدس، فطرة بالغة.
قال التقي ابن تيمية : إن الإقرار والإعتراف بالخالق فطري ضروري في نفوس الناس، وإن كان بعض الناس قد يحصل له ما يفسد فطرته، حتى يحتاج إلى نظر، يحصل له به المعرفة وهذا قول جمهور الناس، وعليه حذاق النظار أن المعرفة تحصل بالضرورة، وقد تحصل بالنظر لمن فسدت فطرته، كما اعترف بذلك خلائق من أئمة المتكلمين.
وقال أيضاً : ذهب طوائف من النظار إلى أن معرفة الله واجبة، ولا طريق لها إلا بالنظر فأوجبوا النظر على كل أحد. وهذا القول إنما اشتهر في الأمة عن المعتزلة ونحوهم.
ولهذا قال أبو جعفر السمناني وغيره : إيجاب الأشعري النظر في المعرفة بقية بقيت عليه من الإعتزال.
وذكر رحمه الله أن الذي يدل عليه كلامه الأئمة والسلف - وهو أعدل الأقوال - أن النظر يجب في حال دون حال، وعلى شخص دون شخص، فوجوبه من العوارض التي تجب على بعض الناس في بعض الأحوال، لا من اللوازم العامة.