فنقول : ظاهر الآية يدل على أنه تعالى أخرج الذر من ظهور بني آدم فيحمل ذلك على أنه تعالى يعلم أن الشخص الفلاني يتولد منه فلان وذلك الفلان فلان آخر، فعلى الترتيب الذي علم دخولهم في الوجود يخرجهم ويميز بعضهم من بعض، وأما أنه تعالى يخرج كل تلك الذرية من صلب آدم، فليس في لفظ الآية ما يدل على ثبوته وليس في الآية أيضاً ما يدل على بطلانه، إلا أن الخبر قد دل عليه، فثبت إخراج الذرية من ظهور بني آدم بالقرآن، وثبت إخراج الذرية من ظهر آدم بالخبر، وعلى هذا التقدير : فلا منافاه بين الأمرين ولا مدافعة، فوجب المصير إليهما معاً.
صوناً للآية.
والخبر عن الطعن بقدر الإمكان، فهذا منتهى الكلام في تقرير هذا المقام.
المسألة الثانية :
قرأ نافع وابن عامر وأبو عمر و ﴿ذرياتهم﴾ بالألف على الجمع والباقون ﴿ذُرّيَّتُهُم﴾ على الواحد.
قال الواحدي : الذرية تقع على الواحد والجمع.
فمن أفرد فإنه قد استغنى عن جمعه وبوقوعه على الجمع فصار كالبشر فإنه يقع على الواحد كقوله :﴿مَا هذا بَشَرًا﴾ وعلى الجمع كقوله :﴿أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا﴾ [ التغابن : ٦ ] وقوله :﴿إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا﴾ وكما لم يجمع بشر بتصحيح ولا تكسير كذلك لا يجمع الذرية ومن جمع قال : إن الذرية وإن كان واحداً فلا إشكال في جواز الجمع فيه، وإن كان جمعاً فجمعه أيضاً حسن، لأنك قد رأيت الجموع المكسرة قد جمعت.
نحو الطرقات والجدرات، وهو اختيار يونس أما قوله تعالى :﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ قَالُواْ بلى﴾ فنقول : أما على قول من أثبت الميثاق الأول فكل هذه الأشياء محمولة على ظواهرها، وأما على قول من أنكره قال : إنها محمولة على التمثيل، والمعنى : أنه تعالى نصب لهم الأدلة على ربوبيته، وشهدت بها عقولهم، فصار ذلك جارياً مجرى ما إذا أشهدهم على أنفسنا وإقرارنا بوحدانيته، أما قوله :﴿شَهِدْنَا﴾ ففيه قولان :