والزمخشري لما رأى أن ظاهر الآية مخالف لمذهبه دال على وقوع الكائنات بمشيئة الله تعالى أخلد إلى التأويل، فجعل المشيئة مجازاً عن سببها وهو لزوم العمل بالآات بقرينة الاستدراك بما هو فعل العبد المقابل للزوم الآيات وهو الإخلاد إلى الأرض، أي ولو لزمها لرفعناه وهو من قبيل نزع الخف قبل الوصول إلى الماء والمصير إلى المجاز قبل أوانه لجواز أن يكون ﴿ لَوْ شِئْنَا ﴾ باقياً على حقيقته و﴿ أَخْلَدَ إِلَى الأرض ﴾ مجازاً عن سببه الذي هو عدم مشيئة الرفع بل الإخلاد، ولم عتمد على عكازته لفوت المقابلة حينئذٍ، وفي "الكشف" أن حمل المشيئة على ما هي مسببة عنه في زعمه ليس أولى من حمل الإخلاد على ما هو مسبب عنه في زعمنا كيف وقوله سبحانه وتعالى :﴿ وَلَوْ شِئْنَا ﴾ استدراك لقوله :
﴿ فانسلخ مِنْهَا ﴾ [ الأعراف : ١٧٥ ] على أن الإخلاد هو الميل، والإرادة والميل ونحوهما من المعاني ليست من أفعال العباد بالاتفاق نعم الجزم المقارن من فعل القلب فعل القلب عندهم، ثم قوله سبحانه وتعالى :﴿ مَن يَهْدِ الله ﴾ [ الأعراف : ١٧٨ ] وقوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا ﴾ [ الأعراف : ١٧٩ ] يؤكدان ما عليه أهل السنة أبلغ تأكيد ولكن الزمخشري لا يعبأ بذلك ﴿ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكلب ﴾ وهو الحيوان المعروف وجمعه أكلب وكلاب وكلابات كما قال ابن سيده وكليب كعبيد وهو قليل ويجمع أكلب على أكالب ؛ وبه يضرب المثل في الخساسة لأنه يأكل العذرة ويرجع في قيئه والجيفة أحب إليه من اللحم الغريض نعم هو أحسن من الرجل السوء، ومما ينسب إلى الشافعي رضي الله تعالى عنه :
ليت الكلاب لنا كانت مجاورة...
وليتنا ما نرى ممن نرى أحداً
إن الكلاب لتهدأ في مرابضها...
والناس ليس بهاد شرهم أبداً
وفي شعب الإيمان للبيهقي عن الفقيه منصور أنه كان نشد لنفسه :
الكلب أحسن عشرة...
وهو النهاية في الخساسة
ممن ينازع في الريا...
سة قبل أوقات الرياسة


الصفحة التالية
Icon