ولما كان كأنه قيل : مثله في أيّ أحواله؟ قال : في كونه ﴿إن تحمل عليه﴾ أي لتضربه ﴿يلهث أو تتركه يلهث﴾ فإن أوجب لك الحمل عليه ظن أن لهثه لما حاول من ذلك التعب ردك عنه لهثه في الدعة، فتعلم حينئذ أنه ليس له سبب إلا اتباع الهوى، فتابع الهوى مثل الكلب كما بين، ومثال هذا المنسلخ الجاهل الذي لا يتصور أن يتبع غير الهوى، لأنه يتبع الهوى مع إيتاء الآيات فبعد الانسلاخ منها أولى، فقد وضح تشبيه مثله بمثل الكلب، لا تشبيه مثله بالكلب ؛ وهذه القصة تدل على أن من كانت نعم الله في حقه أكثر، كان بعده عن الله إذا أعرض عنه أعظم وأكبر.
ولما تقرر المثلان، وكان كل منهما منطبقاً على حالة كل مكذب، كانت النتيجة قوله :﴿ذلك﴾ أي كل من المثلين ﴿مثل القوم﴾ أي الأقوياء ما يحاولونه ﴿الذين كذبوا بآياتنا﴾ أي في أن تركهم لها إنما هو بمجرد الهوى، لأن لها من الظهور والعظمة بنسبتها إلينا ما لا يخفي على من له أدنى بصيرة ﴿فاقصص القصص﴾ أي فأخبر الإخبار العظيم الذي تتبعت به مواقع الوقائع وآثار الأعيان حتى لم تدع في شيء منها لبساً على كل من يسمع لك من اليهود وغيرهم، وهو مصدر قص الشيء - إذا تبع أثره واستقصى في ذلك ﴿لعلهم يتفكرون﴾ أي ليكون حالهم حال من يرجى تفكره في هذه الآيات، فيعلمون أنه لا يأتي بمثلها من غير معلم من الناس إلا نبي فيردهم ذلك إلى الصواب حذراً من مثل حال هذا. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ١٥٢ ـ ١٥٣﴾


الصفحة التالية
Icon