وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ ﴾ يريد بلعام.
أي لو شئنا لأمتناه قبل أن يعصي فرفعناه إلى الجنة.
﴿ بِهَا ﴾ أي بالعمل بها.
﴿ ولكنه أَخْلَدَ إِلَى الأرض ﴾ أي ركن إليها ؛ عن ابن جبير والسدي.
مجاهد : سكن إليها ؛ أي سكن إلى لذّاتها.
وأصل الإخلاد اللزوم.
يقال : أخلد فلان بالمكان إذا أقام به ولزمه.
قال زهير :
لمن الديار غشيتَها بالغَرْقَد...
كالَوْحي في حجرَ المِسيل المخلد
يعني المقيم ؛ فكأن المعنى لزم لذّات الأرض فعبر عنها بالأرض، لأن متاع الدنيا على وجه الأرض.
﴿ واتبع هَوَاهُ ﴾ أي ما زينّ له الشيطان.
وقيل : كان هواه مع الكفار.
وقيل : اتبع رِضا زوجته، وكانت رغِبت في أموالٍ حتى حملته على الدعاء على موسى.
﴿ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكلب ﴾ ابتداء وخبر.
﴿ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ ﴾ شرط وجوابه.
وهو في موضع الحال، أي فمثله كمثل الكلب لاهثاً.
والمعنى : أنه على شيء واحد لا يَرْعَوِي عن المعصية ؛ كمثل الكلب الذي هذه حالته فالمعنى : أنه لاهث على كل حال، طردته أو لم تطرده.
قال ابن جُرَيْج : الكلب منقطع الفؤاد، لا فؤاد له، إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ؛ كذلك الذي يترك الهدى لا فؤاد له، وإنما فؤاده منقطع.
قال القتيبي : كل شيء يلهث فإنما يلهث من إعياء أو عطش، إلا الكلب فإنه يلهث في حال الكلال وحال الراحة وحال المرض وحال الصحة وحال الري وحال العطش.
فضربه الله مثلاً لمن كذب بآياته فقال : إن وعظته ضَلّ وإن تركته ضلّ ؛ فهو كالكلب إن تركته لهث وإن طردته لهث ؛ كقوله تعالى :﴿ وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الهدى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ ﴾ [ الأعراف : ١٩٣ ].
قال الجوهري : لهث الكلب ( بالفتح ) يلهث لهْثاً ولُهاثاً ( بالضم ) إذا أخرج لسانه من التعب أو العطش ؛ وكذلك الرجل إذا أعْيَى.


الصفحة التالية
Icon