وقوله :﴿ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ ﴾ لأنك إذا حملت على الكلب نبح وولى هارباً، وإذا تركته شدّ عليك ونبح ؛ فيتعِب نفسه مقبلاً عليك ومدبراً عنك فيعتريه عند ذلك ما يعتريه عند العطش من إخراج اللسان.
قال الترمذي الحكيم في نوادر الأصول : إنما شبهه بالكلب من بين السباع لأن الكلب ميت الفؤاد، وإنما لهاثه لموت فؤاده.
وسائر السباع ليست كذلك فلذلك لا يلهثن.
وإنما صار الكلب كذلك لأنه لما نزل آدم ﷺ إلى الأرض شمِت به العدو، فذهب إلى السباع فأشلاهم على آدم، فكان الكلب من أشدّهم طلباً.
فنزل جبريل بالعصا التي صرفت إلى موسى بمَدْيَن وجعلها آية له إلى فرعون وملئه، وجعل فيها سلطاناً عظيماً وكانت من آس الجنة ؛ فأعطاها آدم ﷺ يومئذ ليطرد بها السباع عن نفسه، وأمره فيما روي أن يدنو من الكلب ويضع يده على رأسه، فمن ذلك ألفه الكلب ومات الفؤاد منه لسلطان العصا، وألِف به وبولده إلى يومنا هذا، لوضع يده على رأسه وصار حارساً مِن حُرّاس ولده.
وإذا أُدِّب وعلم الاصطياد تأدّب وقبل التعليم ؛ وذلك قوله :﴿ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ الله ﴾ [ المائدة : ٥ ].
السّدّي : كان بلعام بعد ذلك يلهث كما يلهث الكلب.
وهذا المثل في قول كثير من أهل العلم بالتأويل عامٌّ في كل من أوتي القرآن فلم يعمل به.
وقيل : هو في كل منافق.
والأوّل أصح.
قال مجاهد في قوله تعالى :﴿ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكلب إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ﴾ أي إن تحمل عليه بدابتك أو برجلك يلهث أو تتركه يلهث.
وكذلك من يقرأ الكتاب ولا يعمل بما فيه.
وقال غيره : هذا شرُّ تمثيل ؛ لأنه مثله في أنه قد غلب عليه هواه حتى صار لا يملك لنفسه ضرّاً ولا نفعاً بكلب لاهثٍ أبداً، حُمِل عليه أو لم يحمل عليه ؛ فهو لا يملك لنفسه ترك اللهثان.


الصفحة التالية
Icon