وقال أبو السعود :
﴿ أَوَ لَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِم مّن جِنَّةٍ ﴾
كلامٌ مبتدأٌ مَسوقٌ لإنكار عدمِ تفكرهم في شأنه عليه الصلاة والسلام وجهلهم بحقيقة حالِه الموجبةِ للإيمان به وبما أنزل عليه من الآيات التي كذبوا بها، والهمزةُ للإنكار والتعجيبِ والتوبيخ، والواوُ للعطف على مقدر يستدعيه سِباقُ النظمِ الكريم وسياقهُ، و ( ما ) إما استفهاميةٌ إنكاريةٌ في محل الرفِع بالابتداء والخبرُ بصاحبهم، وإما نافيةٌ اسمُها جِنةٌ وخبرُها بصاحبهم، والجِنةُ من المصادر التي يُراد بها الهيئةُ كالرِّغبة والجِلْسة، وتنكيرُها للتقليل والتحقير، والجملةُ معلقةٌ لفعل التفكر لكونه من أفعال القلوب ومحلُها على الوجهين النصبُ على نزع الجارِّ أي أكذّبوا بها ولم يتفكروا في أي شيء من جنون ما كائنٍ بصاحبهم الذي هو أعظمُ الأمةِ الهادية بالحق وعليه أنزلت تلك الآيات، أو في أنه ليس بصاحبهم شيءٌ من جِنّة حتى يؤدِّيَهم التفكرُ في ذلك إلى الوقوف على صدقه وصحةِ نبوته فيؤمنوا به وبما أنزل عليه من الآيات، وقيل قد تم الكلامُ عند قوله تعالى :﴿ أَوَ لَمْ يَتَفَكَّرُواْ ﴾ أي أكذّبوا بها ولم يفعلوا التفكرَ؟ ثم ابتُدىء فقيل : أيُّ شيءٍ بصاحبهم من جنة ما على طريقة الإنكار والتعجيب والتبكيت، أو قيل : ليس بصاحبهم شيءٌ منها، والتعبيرُ عنه عليه الصلاة والسلام بصاحبهم للإيذان بأن طولَ مصاحبتِهم له عليه الصلاة والسلام عن شائبة ما ذكر ففيه تأكيدٌ للنكير وتشديدٌ له، والتعرضُ لنفي الجنونِ عنه عليه الصلاة والسلام مع وضوح استحالةِ ثبوتِه له عليه الصلاة والسلام لما أن التكلمَ بما هو خارقٌ لقضية العقولِ والعادات لا يصدُر إلا عمن به مسُّ الجنونِ كيفما اتفق من غير أن يكون له أصلٌ ومعنى، أو عمن له تأييد إلهي يخبر به عن الأمور الغيبية، وإذ ليس به عليه السلام شائبةُ الأولِ تعين أنه عليه الصلاة والسلام مؤيدٌ من عند الله تعالى، وقيل : إنه عليه الصلاة والسلام علا الصفا ليلاً فجعل يدعو قريشاً فخِذاً


الصفحة التالية
Icon