وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السماوات والأرض ﴾
فيه أربع مسائل :
الأُولى قوله تعالى :﴿ أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ ﴾ عجب من إعراضهم عن النظر في آياته ؛ ليعرفوا كمال قدرته، حسب ما بيناه في سورة "البقرة".
والملكوت من أبنية المبالغة، ومعناه الملك العظيم.
وقد تقدّم.
الثانية استدل بهذه الآية وما كان مثلها من قوله تعالى :﴿ قُلِ انظروا مَاذَا فِي السماوات والأرض ﴾ وقولِهِ تعالى :﴿ أَفَلَمْ ينظروا إِلَى السمآء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا ﴾ [ ق : ٦ ] وقولهِ :﴿ أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإبل كَيْفَ خُلِقَتْ ﴾ [ الغاشية : ١٧ ] الآية.
وقولهِ :﴿ وفي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ ﴾ [ الذاريات : ٢١ ] من قال بوجوب النظر في آياته والاعتبار بمخلوقاته.
قالوا : وقد ذم الله تعالى من لم ينظر، وسلبهم الانتفاع بحواسهم فقال :﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا ﴾ الآية.
وقد اختلف العلماء في أوّل الواجبات، هل هو النظر والاستدلال، أو الإيمان الذي هو التصديق الحاصل في القلب الذي ليس من شرط صحته المعرفة.
فذهب القاضي وغيره إلى أن أوّل الواجبات النظر والاستدلال ؛ لأن الله تبارك وتعالى لا يعلم ضرورة، وإنما يعلم بالنظر والاستدلال بالأدلة التي نصبها لمعرفته.
وإلى هذا ذهب البخارِيّ رحمه الله حيث بوّب في كتابه ( باب العلم قبل القول والعمل لقول الله عز وجل :﴿ فاعلم أَنَّهُ لاَ إله إِلأ الله ﴾ ) [ محمد : ١٩ ].
قال القاضي : من لم يكن عالماً بالله فهو جاهل، والجاهل به كافر.
قال ابن رشد في مقدماته : وليس هذا بالبيّن ؛ لأن الإيمان يصح باليقين الذي قد يحصل لمن هداه الله بالتقليد، وبأوّل وهلة من الاعتبار بما أرشد الله إلى الاعتبار به في غير ما آية.