قال : وقد استدل الباجِيّ على من قال إن النظر والاستدلال أوّل الواجبات بإجماع المسلمين في جميع الأعصار على تسمية العامة والمقلِّد مؤمنين.
قال : فلو كان ما ذهبوا إليه صحيحاً لما صح أن يسمى مؤمناً إلا من عنده علم بالنظر والاستدلال.
قال : وأيضاً فلو كان الإيمان لا يصح إلا بعد النظر والاستدلال لجاز للكفار إذا غلب عليهم المسلمون أن يقولوا لهم : لا يحل لكم قتلنا ؛ لأن من دينكم أن الإيمان لا يصح إلا بعد النظر والاستدلال فأخرونا حتى ننظر ونستدل.
قال : وهذا يؤدّي إلى تركهم على كفرهم، وألا يقتلوا حتى ينظروا ويستدِلوا.
قلت : هذا هو الصحيح في الباب، قال رسول الله ﷺ :" أُمِرت أن أُقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاَّ الله ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله " وترجم ابن المنذر في كتاب الأشراف ( ذكر صفة كمال الإيمان ) أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن الكافر إذا قال : أشهد أن لا إله إلاَّ الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأن كل ما جاء به محمد حق، وأبرأ من كل دين يخالف دين الإسلام وهو بالغ صحيح العقل أنه مسلم.
وإن رجع بعد ذلك وأظهر الكفر كان مرتداً يجب عليه ما يجب على المرتدّ.
وقال أبو حفص الزنجانيّ وكان شيخنا القاضي أبو جعفر أحمد بن محمد السِّمنانيّ يقول : أوّل الواجبات الإيمان بالله وبرسوله وبجميع ما جاء به، ثم النظر والاستدلال المؤدّيان إلى معرفة الله تعالى ؛ فيتقدم وجوب الإيمان بالله تعالى عنده على المعرفة بالله.
قال : وهذا أقرب إلى الصواب وأرفق بالخلق ؛ لأن أكثرهم لا يعرفون حقيقة المعرفة والنظر والاستدلال.