فلو قلنا : إن أوّل الواجبات المعرفة بالله لأدّى إلى تكفير الجمّ الغفير والعدد الكثير، وألا يدخل الجنة إلا آحاد الناس، وذلك بعيد ؛ لأن الرسول ﷺ قطع بأن أكثر أهل الجنة أُمّته، وأن أُمم الأنبياء كلهم صف واحد وأُمته ثمانون صفا.
وهذا بيّن لا إشكال فيه.
والحمد لله.
الثالثة ذهب بعض المتأخرين والمتقدّمين من المتكلمين إلى أن من لم يعرف الله تعالى بالطرق التي طرقوها والأبحاث التي حرروها لم يصح إيمانه وهو كافر ؛ فيلزم على هذا تكفير أكثر المسلمين، وأوّل من يبدأ بتكفيره آباؤه وأسلافه وجيرانه.
وقد أورد على بعضهم هذا فقال : لا تشنّع عليّ بكثرة أهل النار.
أو كما قال
قلت : وهذا القول لا يصدر إلا من جاهل بكتاب الله وسنة نبيه ؛ لأنه ضيق رحمة الله الواسعة على شِرذِمة يسيرة من المتكلمين، واقتحموا في تكفير عامّة المسلمين.
أين هذا من " قول الأعرابي الذي كشف عن فرجه ليبول، وانتهره أصحاب النبيّ ﷺ : اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً.
فقال النبيّ ﷺ :"لقد حجرت واسعاً" " خرّجه البخاريّ والترمذيّ وغيرهما من الأئمة.
أترى هذا الأعرابيّ عرف الله بالدليل والبرهان والحجة والبيان؟ وأن رحمته وسعت كل شيء، وكم من مثله محكوم له بالإيمان.
بل اكتفى ﷺ من كثير ممن أسلم بالنطق بالشهادتين، وحتى إنه اكتفى بالإشارة في ذلك.
ألا تراه لما " قال للسوداء :"أين الله"؟ قالت : في السماء.
قال :"من أنا"؟ قالت : أنت رسول الله.
قال :"أعتقها فإنها مؤمنة" " ولم يكن هناك نظر ولا استدلال، بل حكم بإيمانهم من أوّل وهلة، وإن كان هناك عن النظر والمعرفة غفلة.
والله أعلم.
الرابعة ولا يكون النظر أيضاً والاعتبار في الوجوه الحِسان من المُرد والنِّسوان.