قال أبو الفرج الجوزِي : قال أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبرِيّ بلغني عن هذه الطائفة التي تسمع السماع أنها تضيف إليه النظر إلى وجه الأمرد، وربما زينته بالحلى والمصبغات من الثياب، وتزعم أنها تقصد به الازدياد في الإيمان بالنظر والاعتبار والاستدلال بالصنعة على الصانع.
وهذه النهاية في متابعة الهوى ومخادعة العقل ومخالفة العلم.
قال أبو الفرج : وقال الإمام أبو الوفاء بن عقيل لم يُحِلّ الله النظر إلا على صورةٍ لا ميل للنفس إليها، ولا حظ للهوى فيها ؛ بل عبرة لا يمازجها شهوة، ولا يقارنها لذّة.
ولذلك ما بعث الله سبحانه امرأة بالرسالة، ولا جعلها قاضياً ولا إماماً ولا مؤذناً ؛ كل ذلك لأنها محل شهوة وفتنة.
فمن قال : أنا أجد من الصور المستحسنة عبراً كذّبناه.
وكل من ميّز نفسه بطبيعة تخرجه عن طباعنا كذبناه، وإنما هذه خُدَع الشيطان للمدّعين.
وقال بعض الحكماء : كل شيء في العالم الكبير له نظير في العالم الصغير، ولذلك قال تعالى :﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [ التين : ٤ ] وقال :﴿ وفي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ ﴾ [ الذاريات : ٢١ ].
وقد بينا وجه التمثيل في أوّل "الأنعام".
فعلى العاقل أن ينظر إلى نفسه ويتفكر في خلقه من حين كونه ماء دافقاً إلى كونه خلقاً سَوِيّاً، يُعان بالأغذية ويُرَبَّى بالرّفق، ويُحفظ باللّين حتى يكتسب القُوَى ويبلغ الأشدّ.
وإذا هو قد قال : أنا، وأنا، ونسي حين أتى عليه حِين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً، وسيعود مقبوراً ؛ فياويحه إن كان محسوراً.


الصفحة التالية
Icon