فمناطُ الإنكارِ والتوبيخِ تأخيرُهم للنظر والتأمل أي لعلهم يموتون عما قريب فما لهم لا يسارعون إلى التدبر في الآيات التكوينيةِ الشاهدة بما كذبوه من الآيات القرآنيةِ، وقد جوز أن يكون الأجلُ عبارةً عن الساعة والإضافةُ إلى ضميرهم لملابستهم لها من جهة إنكارِهم لها وبحثِهم عنها.
وقوله تعالى :﴿ فَبِأَيّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ﴾ قطعٌ لاحتمال إيمانِهم رأساً ونفيٌ له بالكلية مترتبٌ على ما ذكر من تكذيبهم بالآيات وإخلالِهم بالتفكر والنظر، والباءُ متعلقةٌ بيؤمنون وضميرُ بعده للآيات على حذفِ المضاف المفهومِ من كذبوا والتذكيرُ باعتبار كونِها قرآناً أو بتأويلها بالمذكور وإجراءِ الضمير مُجرى اسمِ الإشارة والمعنى أكذبوا بها ولم يتفكروا فيما يوجب تصديقها من أحواله عليه الصلاة والسلام وأحوالِ المصنوعاتِ فبأي حديث يؤمنون بعد تكذيبه ومعه مثلُ هذه الشواهدِ القويةِ كلا وهيهات، وقيل : الضميرُ للقرآن والمعنى فبأي حديث بعد القرآنِ يؤمنون إذا لم يؤمنوا به وهو النهايةُ في البيان، وقيل هو إنكارٌ وتبكيتٌ لهم مترتبٌ على إخلالهم بالمسارعة إلى التأمل فيما ذُكر كأنه قيل : لعل أجلَهم قد اقترب فما لهم لا يبادِرون إلى الإيمان بالقرآن قبل الفَوْتِ، وماذا ينتظرون بعد وضوحِ الحقِّ وبأي حديثٍ أحقَّ منه يريدون أن يؤمنوا؟ وقيل : الضميرُ لأجَلهم، والمعنى فبأي حديثٍ بعد انقضاءِ أجلِهم يؤمنون؟ وقيل : للرسول عليه الصلاة والسلام على حذف مضافٍ أي فبأي حديثٍ بعد حديثِه يؤمنون وهو أصدقُ الناس. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٣ صـ ﴾