وقال ابن عاشور :
﴿ أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ ﴾
ترق في الإنكار والتعجيب من حالهم في إعراضهم عن النظر في حال رسولهم.
إلى الإنكار والتعجيب من إعراضهم عن النظر فيما هو أوضح من ذلك وأعم، وهو ملكوت السموات والأرض، وما خلق الله من شيء مما هو آيات من آيات وحدانية اللَّه تعالى التي دعاهم الرسول ﷺ إلى الإيمان بها.
والمناسبة بين الكلامين : أن دعوة الرسول إلى التوحيد وإبطال الشرك هو من أكبر بواعثهم على تكذيبهِ ﴿ أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيءٌ عُجابٌ ﴾ [ ص : ٥ ].
وعُدِّي فعل ( النظر ) إلى متعلِّقه بحرف الظرفية، لأن المراد التامل بتدبر، وهو التفكر كقوله تعالى :﴿ وفي أنفسكم أفلا تبصرون ﴾ [ الذاريات : ٢١ ] وتقول نظرت في شأني، فدل بحرف الظرفية على أن هذا التفكر عميق متغلغل في أصناف الموجودات وهي ظرفية مجازية.
والملكوت المُلك العظيم، وقد مضى عند قوله تعالى :﴿ وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض ﴾ في سورة الأنعام ( ٧٥ ).
وإضافته إلى السماء والأرض بيانية أي الملك الذي هو السماوات والأرض أي مُلك الله لهما، فالمراد السماء بمجموعها والأرض بمجموعها الدالين على عظم ملك الله تعالى.
وعطف ﴿ وما خلق الله من شيء ﴾ على ﴿ ملكوت ﴾ فقسّم النظر إلى نظر في عظيم مُلك الله تعالى، وإلى نظر في مخلوقاته ودقائق أحوالها الدالة على عظيم قدرة الله تعالى، فالنظر إلى عظمة السموات والأرض دليل على عظم ملك الله تعالى فهو الحقيق بالإلهية دون غيره، والنظر إلى المخلوقات دليل على عظم قدرته تعالى، وأنه المنفرد بالصنع فهو الحقيق بالإلهية، فلو نظروا في ذلك نظر اعتبار ؛ لعلموا أن صانع ذلك كله ليس إلا إله واحد، فلزال إنكارهم دعوة رسول الله ﷺ إلى إبطال الشرك.


الصفحة التالية
Icon