وقال إسحاق : يسرع إذا خاف فوات الركعة ؛ وروي عن مالك نحوه، وقال : لا بأس لمن كان على فرس أن يحرّك الفرس ؛ وتأوّله بعضهم على الفرق بين الماشي والراكب ؛ لأن الراكب لا يكاد أن ينبهر كما ينبهر الماشي.
قلت : واستعمال سنة رسول الله ﷺ في كل حال أولى، فيمشي كما جاء الحديث وعليه السكينة والوقار ؛ لأنه في صلاة ومحال أن يكون خبره ﷺ على خلاف ما أخبر ؛ فكما أن الداخل في الصلاة يلزم الوقار والسكون كذلك الماشي، حتى يحصل له التشبه به فيحصل له ثوابه.
ومما يدل على صحة هذا ما ذكرناه من السنة، وما خرّجه الدّارمي في مسنده قال : حدّثنا محمد بن يوسف قال حدّثنا سفيان عن محمد بن عجلان عن المقبري عن كعب بن عُجْرَة قال قال رسول الله ﷺ :" إذا توضأت فعمدت إلى المسجد فلا تُشَبِّكَنّ بين أصابعك فإنك في صلاة " فمنع ﷺ في هذا الحديث وهو صحيح مما هو أقل من الإسراع وجعله كالمصلّي ؛ وهذه السنن تبيّن معنى قوله تعالى :﴿فاسعوا إلى ذِكْرِ الله﴾ [ الجمعة : ٩ ] وأنه ليس المراد به الاشتداد على الأقدام، وإنما عنى العمل والفعل ؛ هكذا فسره مالك.
وهو الصواب في ذلك والله أعلم.
فائدة :
واختلف العلماء في تأويل قوله عليه السلام :" وما فاتكم فأتِمُّوا " وقوله :" واقض ما سبقك " هل هما بمعنىً واحد أوْ لا ؟ فقيل : هما بمعنىً واحد وأن القضاء قد يطلق ويراد به التمام، قال الله تعالى :﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاة﴾ [ الجمعة : ١٠ ] وقال :﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ﴾ [ البقرة : ٢٠٠ ].
وقيل : معناهما مختلف وهو الصحيح ؛ ويترتب على هذا الخلاف خلاف فيما يدركه الداخل هل هو أوّل صلاته أو آخرها ؟ فذهب إلى الأوّل جماعة من أصحاب مالك منهم ابن القاسم ولكنه يقضي ما فاته بالحمد وسورة، فيكون بانياً في الأفعال قاضياً في الأقوال.
قال ابن عبد البر : وهو المشهور من المذهب.


الصفحة التالية
Icon