قوله تعالى :﴿وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾

فصل


قال الفخر :
الرزق في كلام العرب هو الحظ قال تعالى :﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذّبُونَ﴾ [ الواقعة : ٨٢ ] أي حظكم من هذا الأمر، والحظ هو نصيب الرجل وما هو خاص له دون غيره ثم قال بعضهم : الرزق كل شيء يؤكل أو يستعمل، وهو باطل، لأن الله تعالى أمرنا بأن ننفق مما رزقنا فقال :﴿وَأَنفِقُواْ مِمَّا رزقناكم﴾ [ الرعد : ٢٢ ] فلو كان الرزق هو الذي يؤكل لما أمكن إنفاقه.
وقال آخرون : الرزق هو ما يملك وهو أيضاً باطل، لأن الإنسان قد يقول : اللهم ارزقني ولداً صالحاً أو زوجة صالحة وهو لا يملك الولد ولا الزوجة، ويقول : اللهم ارزقني عقلاً أعيش به وليس العقل بمملوك، وأيضاً البهيمة يكون لها رزق ولا يكون لها ملك.
وأما في عرف الشرع فقد اختلفوا فيه، فقال أبو الحسين البصري : الرزق هو تمكين الحيوان من الانتفاع بالشيء والحظر على غيره أن يمنعه من الانتفاع به، فإذا قلنا : قد رزقنا الله تعالى الأموال، فمعنى ذلك أنه مكننا من الانتفاع بها، وإذا سألناه تعالى أن يرزقنا مالاً فإنا نقصد بذلك أن يجعلنا بالمال أخص، وإذا سألناه أن يرزق البهيمة فإنا نقصد بذلك أن يجعلها به أخص، وإنما تكون به أخص إذا مكنها من الانتفاع به، ولم يكن لأحد أن يمنعها من الانتفاع به، واعلم أن المعتزلة لما فسروا الرزق بذلك لا جرم قالوا : الحرام لا يكون رزقاً.
وقال أصحابنا : الحرام قد يكون رزقاً، فحجة الأصحاب من وجهين : الأول : أن الرزق في أصل اللغة هو الحظ والنصيب على ما بيناه، فمن انتفع بالحرام فذلك الحرام صار حظاً ونصيباً، فوجب أن يكون رزقاً له الثاني : أنه تعالى قال :
﴿وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأرض إِلاَّ عَلَى الله رِزْقُهَا﴾ [ هود : ٦ ] وقد يعيش الرجل طول عمره لا يأكل إلا من السرقة، فوجب أن يقال : أنه طول عمره لم يأكل من رزقه شيئاً.


الصفحة التالية
Icon