إن السلطان قد رزق جنده مالاً قد منعهم من أخذه، وإنما يقال : إنه رزقهم ما مكنهم من أخذه ولا يمنعهم منه ولا أمر بمنعهم منه، أجاب أصحابنا عن التمسك بالآيات بأنه وإن كان لكل من الله، لكنه كما يقال : يا خالق المحدثات والعرش والكرسي، ولا يقال : يا خالق الكلاب والخنازير، وقال :﴿عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله﴾ [ الإنسان : ٦ ] فخص اسم العباد بالمتقين، وإن كان الكفار أيضاً من العباد، وكذلك ها هنا خص اسم الرزق بالحلال على سبيل التشريف وإن كان الحرام رزقاً أيضاً، وأجابوا عن التمسك بالخبر بأنه حجة لنا، لأن قوله عليه السلام :
" فاخترت ما حرم الله عليك من رزقه " صريح في أن الرزق قد يكون حراماً وأجابوا عن المعنى بأن هذه المسألة محض للغة وهو أن الحرام هل يسمى رزقاً أم لا ؟ ولا مجال للدلائل العقلية في الألفاظ والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢ صـ ٢٨ ـ ٢٩﴾
وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ رزقناهم : أعطيناهم، والرزق عند أهل السنة ما صح الانتفاع به حلالاً كان أو حراماً، خلافاً للمعتزلة في قولهم : إن الحرام ليس برزق لأنه لا يصح تملكه، وإن الله لا يرزق الحرام وإنما يرزق الحلال، والرزق لا يكون إلا بمعنى المِلك.
قالوا : فلو نشأ صبي مع اللصوص ولم يأكل شيئاً إلا ما أطعمه اللصوص إلى أن بلغ وقوي وصار لصاً، ثم لم يزل يتلصّص ويأكل ما تلصّصه إلى أن مات، فإن الله لم يرزقه شيئاً إذ لم يملكه، وإنه يموت ولم يأكل من رزق الله شيئاً.
وهذا فاسد، والدليل عليه أن الرزق لو كان بمعنى التمليك لوجب ألا يكون الطفل مرزوقاً، ولا البهائم التي ترتع في الصحراء، ولا السِّخال من البهائم، لأن لبن أمهاتها ملك لصاحبها دون السخال.


الصفحة التالية
Icon