أو لأن الإيمان بما لا يصل إليه الحس أدل دليل على قوة اليقين حتى إِنه يَتبقَى من الشارع ما لا قبل للرأي فيه وشأن النفوس أن تنبو عن الإيمان به لأنها تميل إلى المحسوس فالإيمان به على علاته دليل قوة اليقين بالمخبر وهو الرسول إن كان المراد من الغيب ما قابل الشهادة، ولأن الصلاة كلفة بدنية في أوقات لا يتذكرها مقيمها أي مُحسن أدائها إلا الذي امتلأ قلبه بذكر الله تعالى على ما فيها من الخضوع وإظهار العبودية، ولأن الزكاة أداء المال وقد عُلم شح النفوس قال تعالى :﴿وإذا مسه الخير منوعاً﴾ [ المعارج : ٢١ ] ولأن المؤمنين بعد الشرك كانوا محرومين منها في حال الشرك بخلاف أهل الكتاب فكان لذكرها تذكير بنعمة الإسلام. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ١ صـ ٢٣١ ـ ٢٣٤﴾
لطيفة
قال ابن الجوزى :
اعلم أن الحكمة في الجمع بين الإِيمان بالغيب وهو عقد القلب، وبين الصلاة وهي فعل البدن، وبين الصدقة وهو تكليف يتعلق بالمال - أنه ليس في التكليف قسم رابع، إذ ما عدا هذه الأقسام فهو ممتزج بين اثنين منهما، كالحج والصوم ونحوهما. أ هـ ﴿زاد المسير حـ ١ صـ ٢٦﴾
فائدة
قال الشيخ الشنقيطى
قوله تعالى :﴿ومما رزقناهم يُنْفِقون﴾.
عبر في هذه الآية الكريمة ب " من " التبعيضية الدالة على أنه ينفق لوجه الله بعض ماله لا كله. ولم يبين هنا القدر الذي ينبغي إنفاقه، والذي ينبغي إمساكه. ولكنه بين في مواضع أخر أن القدر الذي ينبغي إنفاقه هو الزائد على الحاجة وسد الخلة التي لا بد منها، وذلك كقوله :﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ العفو﴾ [ البقرة : ٢١٩ ]، والمراد بالعفو : الزائد على قدر الحاجة التي لا بد منها على أصح التفسيرات، وهو مذهب الجمهور.
ومنه قوله تعالى :﴿حتى عَفَوْاْ﴾ [ الأعراف : ٩٥ ] أي كثروا وكثرت أموالهم وأولادهم.