وقال بعض العلماء : العفو : نقيض الجهد، وهو أن ينفق ما لا يبلغ إنفاقه منه الجهد واستفراغ الوسع. ومنه قول الشاعر :
خذي العفو مني تستديمي مودتي... ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
وهذا القول راجح إلى ما ذكرنا، وبقية الأقوال ضعيفة.
وقوله تعالى :﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البسط﴾ [ الإسراء : ٢٩ ] فنهاه عن البخل بقوله :﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ﴾ [ الإسراء : ٢٩ ]. ونهاه عن الإسراف بقوله :﴿وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البسط﴾ [ الإسراء : ٢٩ ] فيتعين الوسط بين الأمرين كما بينه بقوله :﴿والذين إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً﴾ [ الفرقان : ٦٧ ] فيجب على المنفق أن يفرق بين الجود والتبذير، وبين البخل والاقتصاد. فالجود : غير التبذير، والاقتصاد : غير البخل. فالمنع في محل الإعطاء مذموم، وقد نهى الله عنه نبيه ﷺ بقوله :﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ﴾، والإعطاء في محل المنع مذموم أيضاً وقد نهى الله عنه نبيه ﷺ بقوله :﴿وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البسط﴾ وقد قال الشاعر :
لا تمدحن ابن عباد وإن هطلت... يداه كالمزن حتى تخجل الديما
فإنها فلتات من وساوسه... يعطي ويمنع لا بخلاً ولا كرما
وقد بين تعالى في مواضع أخر أن الإنفاق المحمود لا يكون كذلك، إلا إذا كان مصرفه الذي صرف فيه مما يرضي الله، كقوله تعالى :﴿قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ والأقربين﴾ [ البقرة : ٢١٥ ] الآية - وصرح بأن الإنفاق فيما لا يرضي الله حسرة على صاحبه في قوله :﴿فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً﴾ [ الأنفال : ٣٦ ] الآية - وقد قال الشاعر :
إن الصنيعة لا تعد صنيعةً... حتى يصاب بها طريق المصنع