والإيمانُ إفعالٌ من الأمن المتعدّي إلى واحد، يقال آمنتُه، وبالنقل تعدى إلى اثنين، يقال آمنَنيه غيري، ثم استُعمل في التصديق، لأن المصَدِّقَ يؤمِنُ المُصَدَّق، أي يجعله أميناً من التكذيب والمخالفة، واستعماله بالباء لتضمينه معنى الاعتراف، وقد يطلق على الوثوق، فإن الواثقَ يصير ذا أمنٍ وطُمأنينة، ومنه ما حُكي عن العرب ما آمِنْتُ أن أجد صحابة، أي ما صِرْتُ ذا أمنٍ وسكون، وكلا الوجهين حسنٌ هنا وهو في الشرع لا يتحقق بدون التصديق بما عُلم، ضرورةَ أنه من دين نبينا عليه الصلاة والسلام، كالتوحيد والنبوة والبعث والجزاء ونظائرها، وهل هو كافٍ في ذلك أو لا بد من انضمام الإقرار إليه للتمكن منه ؟.
والأول رأيُ الشيخ الأشعري ومن شايعه، فإن الإقرارَ عنده منشأٌ لإجراء الأحكام، والثاني مذهبُ أبي حنيفة ومن تابعه وهو الحق، فإنه جعلهما جزأين له، خلا أن الإقرارَ ركنٌ محتمِلٌ للسقوط بعذر، كما عند الإكراه، وهو مجموعُ ثلاثةِ أمور : اعتقادُ الحق، والإقرارُ به، والعملُ بموجبه عند جمهورِ المحدثين والمعتزلة والخوارج، فمن أخل بالاعتقاد وحده فهو منافق، ومن أخل بالإقرارِ فهو كافر، ومن أخل بالعمل فهو فاسق اتفاقاً وكافرٌ عند الخوارج، وخارجٌ عن الإيمان غيرُ داخلٍ في الكفر عند المعتزلة.