وقرىء ( يُومنون ) بغير همزة، والغيبُ إما مصدرٌ وُصف به الغائبُ مبالغةً كالشهادة في قوله تعالى :﴿عالم الغيب والشهادة﴾ أو فعيل خُفّف كقَتْل في قتيل وهيْنٍ في هيّن، وميْتٍ في ميِّت، لكن لم يُستعمل فيه الأصلُ كما استعمل في نظائره. وأيًّا ما كان فهو ما غاب عن الحس والعقلِ غَيْبة كاملةً، بحيث لا يُدرَك بواحد منهما ابتداءً بطريق البَداهة، وهو قسمان : قسم لا دليل عليه، وهو الذي أريد بقوله سبحانه :﴿وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغيب لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ﴾ وقسم نُصب عليه دليل كالصانع وصفاتِه، والنبواتِ وما يتعلق بها من الأحكام والشرائع، واليومِ الآخر وأحوالِه من البعث والنشورِ والحسابِ والجزاء، وهو المرادُ هاهنا، فالباءُ صلةٌ للإيمان، إما بتضمينه معنى الاعتراف، أو بجعله مجازاً من الوثوق، وهو واقعٌ موقعَ المفعول به، وإما مصدرٌ على حاله كالغَيبة، فالباءُ متعلِّقةٌ بمحذوفٍ وقع حالاً من الفاعل كما في قوله تعالى :﴿الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بالغيب﴾ وقوله تعالى :﴿لِيَعْلَمَ أَنّى لَمْ أَخُنْهُ بالغيب﴾ أي يؤمنون ملتبسين بالغيبة، إما عن المؤمن به، أي غائبين عن النبي ﷺ غيرَ مشاهدين لما فيه من شواهد النبوة، لما رُوي أن أصحابَ ابنِ مسعود رضي الله عنه، ذكروا أصحابَ رسول الله ﷺ وإيمانَهم، فقال رضي الله عنه :" إن أمرَ محمَّدٍ عليه الصَّلاة والسَّلام كان بيِّناً لمن رآه، والذي لا إله غيرُه ما آمن مؤمنٌ أفضلَ من الإيمان بغيب، ثم تلا هذه الآية ". وإما عن الناس، أي غائبين عن المؤمنين، لا كالمنافقين الذين إذا لقُوا الذين آمنوا قالوا آمنا، وإذا خلَوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم.


الصفحة التالية
Icon