وقيل : المرادُ بالغيب القلبُ، لأنه مستور، والمعنى يؤمنون بقلوبهم لا كالذين يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، فالباءُ حينئذٍ للآلة، وتركُ ذكرِ المؤمَن به على التقادير الثلاثةِ إما للقصد إلى إحداث نفسِ الفعلِ كما في قولهم فلانٌ يُعطي ويمنع، أي يفعلون الإيمان، وإما للاكتفاء بما سيجيء، فإن الكتبَ الإلهية ناطقةٌ بتفاصيل ما يجب الإيمانُ به.
﴿وَيُقِيمُونَ الصلاة﴾ إقامتُها عبارةٌ عن تعديل أركانها، وحفظِها من أن يقع في شيء من فرائضها وسننها وآدابِها زيغٌ، من إقامة العُودِ إذا قوّمه وعدّله. وقيل عن المواظبة عليها، مأخوذٌ من قامت السُّوق إذا نفَقت، وأقمتُها إذا جعلتُها نافقة، فإنها إذا حوفظ عليها كانت كالنافق الذي يُرغب فيه، وقيل عن التشمُّر لأدائها عن غير فتورٍ ولا تَوانٍ، من قولهم قام بالأمر وأقامه إذا جدَّ فيه واجتهد، وقيل عن أدائها، عبَّر عنه بالإقامة لاشتماله على القيام، كما عبَّر عنه بالقنوت الذي هو القيامُ وبالركوع والسجود والتسبيح، والأولُ هو الأظهر، لأنه أشهرُ، وإلى الحقيقة أقربُ، والصلاةُ فَعْلةٌ، من صلَّى إذا دعا، كالزكاة من زكّى، وإنما كُتبتا بالواو مراعاةَ اللفظِ المفخّم، وإنما سُمِّيَ الفعلُ المخصوصُ بها لاشتماله على الدعاء، وقيل : أصلُ صلى حرَّك الصَّلَوَيْنِ، وهما العظمان الناتئان في أعلى الفخِذين، لأن المصليَ يفعله في ركوعه وسجوده، واشتهارُ اللفظ في المعنى الثاني دون الأول لا يقدح في نقله عنه، وإنما سُمِّيَ الداعي مصلياً تشبيهاً له في تخشّعه بالراكع والساجد.
﴿وَمِمَّا رزقناهم يُنفِقُونَ﴾ والرزقُ في اللغة العطاءُ، ويطلق على الحظ المعطى، نحو ذِبْحٍ ورِعْيٍ للمذبوح والمَرْعيِّ. وقيل : هو بالفتح مصدر، وبالكسر اسم، وفي العُرف ما ينتفِعُ به الحيوان.