مرساها "المرسي" ههنا مصدر بمعنى الإرساء لقوله تعالى :﴿بِسْمِ الله مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا﴾ [ هود : ٤١ ] أي إجراؤها وإرساؤها، والإرساء الإثبات يقال رسى يرسوا ؛ إذا ثبت.
قال تعالى :﴿والجبال أرساها﴾ [ النازعات : ٣٢ ] فكان الرسو ليس اسماً لمطلق الثبات، بل هو اسم لثبات الشيء إذا كان ثقيلاً ومنه إرساء الجبل، وإرساء السفينة، ولما كان أثقل الأشياء على الخلق هو الساعة، بدليل قوله :﴿ثَقُلَتْ فِى السموات والأرض﴾ لا جرم سمى الله تعالى وقوعها وثبوتها بالإرساء.
ثم قال تعالى :﴿قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي﴾ أي لا يعلم الوقت الذي فيه يحصل قيام القيامة إلا الله سبحانه ونظيره قوله سبحانه :﴿إِنَّ الله عِندَهُ عِلْمُ الساعة﴾ [ لقمان : ٣٤ ] وقوله :﴿إِنَّ الساعة ءاتِيَةٌ لاَ رَيْبَ فِيهَا﴾ [ الحج : ٧ ] وقوله :﴿إِنَّ الساعة ءاتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ [ طه : ١٥ ] ولما سأل جبريل رسول الله ﷺ وقال : متى الساعة فقال عليه السلام :" ليس المسؤول عنها بأعلم من السائل "
قال المحققون : والسبب في إخفاء الساعة عن العباد ؟ أنهم إذا لم يعلموا متى تكون، كانوا على حذر منها، فيكون ذلك أدعى إلى الطاعة، وأزجر عن المعصية، ثم إنه تعالى أكد هذا المعنى فقال :﴿لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا﴾ التجلية إظهار الشيء والتجلي ظهوره، والمعنى : لا يظهرها في وقتها المعين ﴿إِلاَّ هُوَ﴾ أي لا يقدر على إظهار وقتها المعين بالإعلام والإخبار إلا هو.
ثم قال تعالى :﴿ثَقُلَتْ فِى السموات والأرض﴾ والمراد وصف الساعة بالثقل ونظيره قوله تعالى :﴿وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً﴾ [ الإنسان : ٢٧ ] وأيضاً وصف الله تعالى زلزلة الساعة بالعظم فقال :﴿إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة شَىْء عَظِيمٌ﴾ [ الحج : ١ ] ووصف عذابها بالشدة فقال :﴿وَمَا هُم بسكارى ولكن عَذَابَ الله شَدِيدٌ﴾ [ الحج : ٢ ].