فآدم وحواء عليهما السلام سميا ذلك الولد بعبد الحرث تنبيهاً على أنه إنما سلم من الآفات ببركة دعائه، وهذا لا يقدح في كونه عبد الله من جهة أنه مملوكه ومخلوقه، إلا أنا قد ذكرنا أن حسنات الأبرار سيئات المقربين فلما حصل الاشتراك في لفظ العبد لا جرم صار آدم عليه السلام معاتباً في هذا العمل بسبب الاشتراك الحاصل في مجرد لفظ العبد، فهذا جملة ما نقوله في تأويل هذه الآية.
المسألة الثانية :
في تفسير ألفاظ الآية وفيها مباحث :
البحث الأول : قوله :﴿هُوَ الذى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحدة﴾ المشهور أنها نفس آدم وقوله :﴿وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ المراد حواء.
قالوا ومعنى كونها مخلوقة من نفس آدم، أنه تعالى خلقها من ضلع من أضلاع آدم.
قالوا : والحكمة فيه أن الجنس إلى الجنس أميل، والجنسية علة الضم، وأقول هذا الكلام مشكل لأنه تعالى لما كان قادراً على أن يخلق آدم ابتداء فما الذي حملنا على أن نقول أنه تعالى خلق حواء من جزء أجزاء آدم ؟ ولم لا نقول : إنه تعالى خلق حواء أيضاً ابتداء ؟ وأيضاً الذي يقدر على خلق إنسان من عظم واحد فلم لا يقدر على خلقه ابتداء، وأيضاً الذي يقال : إن عدد أضلاع الجانب الأيسر أنقص من عدد أضلاع الجانب الأيمن فيه مؤاخذة تنبي عن خلاف الحس والتشريح.
بقي أن يقال : إذا لم نقل بذلك، فما المراد من كلمة ﴿مِنْ﴾ في قوله :﴿وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ فنقول : قد ذكرنا أن الإشارة إلى الشيء تارة تكون بحسب شخصه، وأخرى بحسب نوعه قال عليه الصلاة والسلام :" هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به " وليس المراد ذلك الفرد المعين بل المراد ذلك النوع.