وقال ابن عطية :
قوله تعالى :﴿ هو الذي خلقكم من نفس واحدة ﴾ الآية،
قال جمهور المفسرين : المراد بالنفس الواحدة آدم عليه السلام بقوله :﴿ وجعل منها زوجها ﴾ حواء وقوله ﴿ منها ﴾ يريد ما تقدم ذكره من أن آدم نام فاستخرجت قصرى أضلاعه وخلقت منها حواء وقوله :﴿ ليسكن إليها ﴾ أي ليأنس ويطمئن، وكان هذا كله في الجنة، ثم ابتدأ بحالة أخرى هي في الدنيا بعد هبوطها، فقال :﴿ فلما تغشاها ﴾ أي غشيها وهي كناية عن الجماع، و" الحمل الخفيف " هو المني الذي تحمله المرأة في فرجها، وقرأ جمهور الناس " حَملاً " بفتح الحاء، وقرأ حماد بن سلمة عن ابن كثير " حِملاً " بكسر الحاء، وقوله ﴿ فمرت به ﴾ أي استمرت به، قال أيوب : سألت الحسن عن قوله :﴿ فمرت به ﴾ فقال : لو كنت امرأً عربياً لعرفت ما هي إنما المعنى فاستمرت به.
قال القاضي أبو محمد : وقدره قوم على القلب كأن المراد فاستمر بها كما تقول أدخلت القلنسوة في رأسي، وقرأ يحيى بن يعمر وابن عباس فيما ذكر النقاش " فمرَت به " بتخفيف الراء، ومعناه فشكت فيما أصابها هل هو حمل أو مرض ونحو هذا، وقرأ ابن عباس " فاستمرت به " وقرأ ابن مسعود " فاستمرت بحملها " وقرأ عبد الله بن عمرو بن العاصي " فمارت به " معناه أي جاءت به وذهبت وتصرفت، كما تقول مارت الريح موراً، و﴿ أثقلت ﴾ دخلت في الثقل كما تقول : أصبح وأمسى أي صارت ذات ثقل كما تقول أتمر الرجل وألبن إذا صار ذا تمر ولبن، والضمير في ﴿ دعوا ﴾ على آدم وحواء.
وروي في قصص هذه الآية أن حواء لما حملت أول حمل لم تدرِ ما هو، وهذا يقوي قراءة من قرأ " فمرَت به " بتخفيف الراء، فجزعت لذلك فوجد إبليس إليها السبيل، فقال لها ما يدريك ما في جوفك ولعله خنزير أو حية أو بهيمة في الجملة وما يدريك من أين يخرج أينشق له بطنك فتموتين أو على فمك أو أنفك؟ ولكن إن أطعتني وسميته عبد الحارث.


الصفحة التالية
Icon