وقال القرطبى :
﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ ﴾
فيه سبع مسائل :
الأُولى قوله تعالى :﴿ هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ قال جمهور المفسرين : المراد بالنفس الواحدة آدم.
﴿ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا ﴾ يعني حوّاء.
﴿ لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ﴾ ليأنس بها ويطمئن، وكان هذا كله في الجنة.
ثم ابتدأ بحالة أُخرى هي في الدنيا بعد هبوطهما فقال :﴿ فَلَماَّ تَغَشَّاهَا ﴾ كناية عن الوِقاع.
﴿ حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً ﴾ كلّ ما كان في بطن أو على رأس شجرة فهو حَملٌ بالفتح.
وإذا كان على ظهر أو على رأس فهو حِمل بالكسر.
وقد حكى يعقوب في حِمل النخلة الكَسْر.
وقال أبو سعيد السيرافيّ : يقال في حمل المرأة حَمل وحِمل، يشبه مرّة لاستبطانه بحَمل المرأة، ومرّة لبُروزه وظهوره بحمل الدّابّة.
والْحَمل أيضاً مصدر حَمَل عليه يحمِل حَملاً إذا صال.
﴿ فَمَرَّتْ بِهِ ﴾ يعني المنيّ ؛ أي استمرت بذلك الحمل الخفيف.
يقول : تقوم وتقعد وتَقَلَّب، ولا تكترث بحمله إلى أن ثقل ؛ عن الحسن ومجاهد وغيرهما.
وقيل : المعنى فاستمر بها الحمل، فهو من المقلوب ؛ كما تقول : أدخلت القَلَنْسوة في رأسي.
وقرأ عبد الله ابن عمر "فَمَارَتْ بِهِ" بألف والتخفيف ؛ من مَار يَمُور إذا ذهب وجاء وتصرّف.
وقرأ ابن عباس ويحيى ابن يَعْمَر "فَمَرَتْ بِهِ" خفيفة من المِرْيَة، أي شكّت فيما أصابها ؛ هل هو حمل أو مرض، أو نحو ذلك.
الثانية قوله تعالى :﴿ فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ ﴾ صارت ذات ثقل ؛ كما تقول : أثمر النخل.
وقيل : دخلت في الثقل ؛ كما تقول : أصبح وأمسى.
﴿ دَّعَوَا الله رَبَّهُمَا ﴾ الضمير في "دَعَوَا" عائد على آدم وحوّاء.
وعلى هذا القول ما رُوي في قصص هذه الآية أن حوّاء لما حملت أوّل حمل لم تدرِ ما هو.