﴿ جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا ﴾ أو من جسدها لما يُروى أنه تعالى خلقَ حوّاءَ من ضِلْع من أضلاع آدمَ عليه الصلاة والسلام، والأولُ هو الأنسُب إذِ الجنسيةُ هي المؤديةُ إلى الغاية الآتيةِ لا الجزئيةُ، والجعلُ إما بمعنى التصييرِ فقوله تعالى :﴿ زَوْجَهَا ﴾ مفعولُه الأولُ والثاني هو الظرفُ المقدّم، وإما بمعنى الإنشاءِ والظرفُ متعلقٌ بجعل قُدّم على المفعول الصريحِ لما مر مراراً من الاعتناء بالمقدم والتشويقِ إلى المؤخر، أو بمحذوف هو حالٌ من المفعول والأولُ هو الأولى وقوله تعالى :﴿ لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ﴾ علةٌ غائيةٌ للجعل باعتبار تعلُّقِه بمفعولِه الثاني أي ليستأنسَ بها ويطمئِنّ إليها اطمئناناً مصححاً للازدواج كما يلوح به تذكيرُ الضميرِ ويُفصح عنه قوله تعالى :﴿ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا ﴾ أي جامعها ﴿ حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا ﴾ في مبادىء الأمرِ فإنه عند كونه نطفةً أو علقمةً أو مضغة أخفُّ عليها بالنسبة إلى ما بعد ذلك من المراتب لذكر خِفته للإشارة إلى نعمته تعالى عليهم في إنشائه تعالى إياهم متدرجين في أطوار الخلقِ من العدم إلى الوجود ومن الضَّعف إلى القوة ﴿ فَمَرَّتْ بِهِ ﴾ أي فاستمرّت به كما كانت قبل حيث قامتْ وقعدت وأخذت وتركت، وعليه قراءةُ ابن عباس رضي الله تعالى عنه وقرىء ( فمَرَتْ ) بالتخفيف و ( فمارَتْ ) من المور وهو المجيءُ والذهابُ أو من المِرْية فظنت الحملَ وارتابت به، وأما ما قيل من أن المعنى حملت حملاً خفّ عليها ولم تلْقَ منه ما يلقى بعضُ الحبالى من حملهن من الكرب والأذّية ولم تستثقِلْه كما يستثقِلْنَه فمرّت به أي فمضَت به إلى ميلاده من غير إخداج ولا إزلاق فيرده قوله تعالى :﴿ فَلَمَّا أَثْقَلَت ﴾ إذ معناه فلما صارت ذاتَ ثِقلٍ لكبر الولدِ في بطنها، ولا ريب في أن الثقلَ بهذا المعنى ليس مقابلاً للخفة بالمعنى المذكور إنما يقابلها الكربُ الذي يعتري بعضَهن من


الصفحة التالية
Icon