وقال ابن الجوزى :
قوله :﴿ فلما آتاهما صالحاً جعلا له شركاء ﴾
قرأ ابن كثير، وابن عامر، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم :"شركاء" بضم الشين والمدّ، جمع شريك.
وقرأ نافع، وأبو بكر عن عاصم :"شِركاً" مكسورة الشين على المصدر، لا على الجمع.
قال أبو علي : من قرأ "شِرْكاً" حذف المضاف، كأنه أراد : جعلا له ذا شِرك، وذوي شريك ؛ فيكون المعنى : جعلا لغيره شِركاً، لأنه إذا كان التقدير : جَعلا له ذوي شرك، فالمعنى : جعلا لغيره شركاً، وهذه القراءة في المعنى كقراءة من قرأ "شركاء".
وقال غيره : معنى "شركاء" شريكاً، فأوقع الجمع موقع الواحد كقوله :﴿ الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم ﴾ [ آل عمران : ١٧٣ ] والمراد بالشريك : إبليس، لأنهما أطاعاه في الاسم، فكان الشرك في الطاعة، لا في العبادة ؛ ولم.
يقصدا أن الحارثَ ربُّهما، لكن قصدا أنه سبب نجاة ولدهما ؛ وقد يُطلَق العبد على من ليس بمملوك.
قال الشاعر :
وإني لَعبدُ الضَّيف ما دَامَ ثَاوياً...
وما فيَّ إلا تِلْكَ مَنْ شِيْمَةِ العَبْدِ
وقال مجاهد : كان لا يعيش لآدم ولد، فقال الشيطان : إذا وُلد لكما ولد فسمياه عبد الحارث، فأطاعاه في الاسم، فذلك قوله :﴿ جعلا له شركاء فيما آتاهما ﴾ هذا قول الجمهور، وفيه قول ثان، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : ما أشرك آدم، إن أول الآية لَشكر، وآخرها مَثَل ضربه الله لمن يعبده في قوله :﴿ جعلا له شركاء فيما آتاهما ﴾.
وروى قتادة عن الحسن قال : هم اليهود والنصارى، رزقهم الله أولاداً فهوَّدوهم ونصَّروهم.
وروي عن الحسن، وقتادة قالا : الضمير في قوله :﴿ جعلا له شركاء ﴾ عائد إلى النفس وزوجه من ولد آدم، لا إلى آدم وحواء.
وقيل : الضمير راجع إلى الولد الصالح، وهو السليم الخلْق، فالمعنى : جعل له ذلك الولدُ شركاء.
وإنما قيل :﴿ جعلا ﴾ لأن حواء كانت تلد في كل بطن ذكراً وأُنثى.


الصفحة التالية
Icon