قوله :﴿ قُل لا أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًا وَلاَ ضَرّا إِلاَّ مَا شَاء الله ﴾ هذه الجملة متضمنة لتأكيد ما تقدّم من عدم علمه بالساعة أيان تكون ومتى تقع، لأنه إذا كان لا يقدر على جلب نفع له، أو دفع ضرّ عنه إلا ماشاء الله سبحانه من النفع له والدفع عنه، فبالأولى أن لا يقدر على علم ما استأثر الله بعلمه، وفي هذا من إظهار العبودية والإقرار بالعجز عن الأمور التي ليست من شأن العبيد، والاعتراف بالضعف عن انتحال ما ليس له ﷺ ما فيه أعظم زاجر، وأبلغ واعظ لمن يدّعي لنفسه ما ليس من شأنها، وينتحل علم الغيب بالنجامة أو الرمل أو الطرق بالحصا أو الزجر.
ثم أكّد هذا وقرّره بقوله :﴿ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الغيب لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخير ﴾ أي : لو كنت أعلم جنس الغيب لتعرّضت لما فيه الخير فجلبته إلى نفسي، وتوقيت ما فيه السوء حتى لا يمسني، ولكني عبد لا أدري ما عند ربي، ولا ما قضاه فيَّ وقدره لي، فكيف أدري غير ذلك وأتكلف علمه؟ وقيل المعنى : لو كنت أعلم ما يريد الله عزّ وجلّ مني من قبل أن يعرفنيه لفعلته.
وقيل : لو كنت أعلم متى يكون لي النصر في الحرب، لقاتلت فلم أغلب.
وقيل : لو كنت أعلم الغيب لأجبت عن كل ما أسأل عنه، والأولى حمل الآية على العموم، فتندرج هذه الأمور وغيرها تحتها.
وقد قيل : إن ﴿ وَمَا مَسَّنِىَ السوء ﴾ كلام مستأنف، أي : ليس بي ما تزعمون من الجنون والأولى : أنه متصل بما قبله.
والمعنى : لو علمت الغيب ما مسني السوء، ولحذرت عنه كما قدّمنا ذلك.
قوله :﴿ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ أي : ما أنا إلا مبلغ عن الله لأحكامه أنذر بها قوماً، وأبشر بها آخرين، ولست أعلم بغيب الله سبحانه.
واللام في ﴿ لِقَوْمٍ ﴾ متعلق بكلا الصفتين : أي بشير لقوم.


الصفحة التالية
Icon