وقال ابن عاشور :
﴿ وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (١٩٣) ﴾
يجوز أن يكون عطفاً على جملة ﴿ أيشركون ما لا يخلق شيئاً ﴾ [ الأعراف : ١٩١ ] زيادة في التعجيب من حال المشركين بذكر تصميمهم على الشرك على ما فيه من سخافة العقول ووهن الدليل، بعد ذكر ما هو كاف لتزييفه.
فضمير الخطاب المرفوع في ﴿ وإن تدعوهم ﴾ موجه إلى المسلمين مع الرسول ﷺ وضمير جمع الغائب المنصوب عائد إلى المشركين كما عاد ضمير ﴿ أيشركون ﴾ [ الأعراف : ١٩١ ] فبعد أن عجّب الله المسلمين من حال أهل الشرك أنبأهم بأنهم لا يقبلون الدعوة إلى الهدى.
ومعنى ذلك أنه بالنظر إلى الغالب منهم، وإلا فقد آمن بعضهم بعد حين وتلاحقوا بالإيمان، عَدا من ماتوا على الشرك.
وهذا الوجه هو الأليق بقوله تعالى بعد ذلك ﴿ وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا ﴾ [ الأعراف : ١٩٨ ] الآية ليكون المخبر عنهم في هذه الآية غير المخبر عنهم في الآية الآتية، لظهر تفاوت الموقع بين ﴿ لا يتبعوكم ﴾ وبين ﴿ لا يسمعوا ﴾ [ الأعراف : ١٩٨ ].
ويجوز أن تكون جملة ﴿ وإن تدعوهم إلى الهدى ﴾ إلخ معطوفة على جملة الصلة في قوله :﴿ لا يخلق شيئاً وهم يخلقون ﴾ [ الأعراف : ١٩١ ] فيكون ضمير الخطاب في ﴿ تدعوهم ﴾ خطابا للمشركين الذين كان الحديث عنهم بضمائر الغيبة من قوله :﴿ فتعالى الله عما يشركون ﴾ [ الأعراف : ١٩٠ ] إلى هنا، فمُقتضى الظاهر أن يقال : وإن يدعوهم إلى الهدى لا يتبعوهم، فيكون العدول عن طريق الغيبه إلى طريق الخطاب التفاتا من الغيبة إلى الخطاب توجهاً إليهم بالخطاب، لأن الخطاب أوقع في الدمغ بالحجة.
و﴿ الهدى ﴾ على هذا الوجه ما يُهتدى إليه، والمقصود من ذكره أنهم لا يستجيبون إذا دعوتموهم إلى ما فيه خيرهم فيُعلم أنهم لو دعوهم إلى غير ذلك لكان عدم اتباعهم دعوتهم أولى.