اعلم أن القوم لما طالبوه بالإخبار عن الغيوب وطالبوه بإعطاء الأموال الكثيرة والدولة العظيمة ذكر أن قدرته قاصرة وعلمه قليل، وبين أن كل من كان عبداً كان كذلك والقدرة الكاملة والعلم المحيط ليسا إلا لله تعالى، فالعبد كيف يحصل له هذه القدرة، وهذا العلم ؟ واحتج أصحابنا في مسألة خلق الأعمال بقوله تعالى :﴿قُل لا أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًا وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ الله﴾ والإيمان نفع والكفر ضر، فوجب أن لا يحصلا إلا بمشيئة الله تعالى، وذلك يدل على أن الإيمان والكفر لا يحصلان إلا بمشيئة الله سبحانه، وتقريره ما ذكرناه مراراً أن القدرة على الكفر إن لم تكن صالحة للإيمان، فخالق تلك القدرة يكون مريداً للكفر، وإن كانت صالحة للإيمان، فخالق تلك القدرة يكون مريداً للكفر، وإن كانت صالحة للإيمان امتنع صدور الكفر عنها بدلاً عن الإيمان إلا عند حدوث داعية جازمة، فخالق تلك الداعية الجازمة يكون مريداً للكفر، فثبت أن على جميع التقادير : لا يملك العبد لنفسه نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله.
أجاب القاضي عنه بوجوه : الأول : أن ظاهر قوله :﴿قُل لا أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًا وَلاَ ضَرّا إِلاَّ مَا شَاء الله﴾ وإن كان عاماً بحسب اللفظ إلا أنا ذكرنا أن سبب نزوله هو أن الكفار قالوا : يا محمد ألايخبرك ربك بوقت السعر الرخيص قبل أن يغلو، حتى نشتري الرخيص فنربح عليه عند الغلاء، فيحمل اللفظ العام على سبب نزوله، والمراد بالنفع : تملك الأموال وغيرها، والمراد بالضر وقت القحط، والأمراض وغيرها.