وأما القسم الثاني : وهو الذي لا يجوز دخول المساهلة والمسامحة فيه، فالحكم فيه أن يأمر بالمعروف، والعرف، والعارفة، والمعروف هو كل أمر عرف أنه لا بد من الإتيان به، وأن وجوده خير من عدمه، وذلك لأن في هذا القسم لو اقتصر على الأخذ بالعفو ولم يأمر بالعرف ولم يكشف عن حقيقة الحال، لكان ذلك سعياً في تغيير الدين وإبطال الحق وأنه لا يجوز، ثم إنه إذا أمر بالعرف ورغب فيه ونهى عن المنكر ونفر عنه، فربما أقدم بعض الجاهلين على السفاهة والإيذاء فلهذا السبب قال تعالى في آخر الآية :﴿وَأَعْرِض عَنِ الجاهلين﴾ وقال في آية أخرى :﴿وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِراماً﴾ [ الفرقان : ٧٢ ] وقال :﴿والذين هُمْ عَنِ اللغو مُّعْرِضُونَ﴾ [ المؤمنون : ٣ ] وقال في صفة أهل الجنة :﴿لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً﴾ [ الواقعة : ٢٥ ] وإذا أحاط عقلك بهذا التقسيم، علمت أن هذه الآية مشتملة على مكارم الأخلاق فيما يتعلق بمعاملة الإنسان مع الغير.
قال عكرمة : لما نزلت هذه الآية قال عليه السلام :" يا جبريل ما هذا ؟ قال يا محمد إن ربك يقول هو أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك " قال أهل العلم : تفسير جبريل مطابق للفظ الآية لأنك لو وصلت من قطعك، فقد عفوت عنه، وإذا آتيت من حرمك فقد آتيت بالمعروف، وإذا عفوت عمن ظلمك فقد أعرضت عن الجاهلين، وقال جعفر الصادق رضي الله عنه : وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية، وللمفسرين في تفسير هذه الآية طريق آخر فقالوا :﴿خُذِ العفو وَأْمُرْ بالعرف﴾ أي ما عفا لك من أموالهم، أي ما أتوك به عفواً فخذه، ولا تسأل عما وراء ذلك.