وقال ابن عاشور :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ﴾
هذه الجملة على الوجه الأول في كون المخاطب، بقوله :﴿ وإن تَدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم ﴾ [ الأعراف : ١٩٣ ] الآية، النبي عليه الصلاة والسلام والمسلمين أن تكون استئنافاً ابتدائياً انتُقل به إلى مخاطبة المشركين، ولذلك صدر بحرف التوكيد لأن المشركين ينكرون مساواة الأصنام إياهم في العبودية، وفيه الالتفات من الغيبة إلى الخطاب.
والمراد بالذين تدعون من دون الله : الأصنام، فتعريفها بالموصول لتنبيه المخاطبين على خطأ رأيهم في دعائهم إياها من دون الله، في حين هي ليست أهلا لذلك، فهذا الموصول كالموصول في قول عبدة بن الطبيب:
إن الذين تُرْوَنُهم إخوانكم...
يشفي غليل صدورهم أن تُصرعوا
ويجيء على الوجه الثاني في الخطاب السابق : أن تكون هذه الجملة بياناً وتعليلاً لجملة ﴿ وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم ﴾ [ الأعراف : ١٩٣ ] أي لأنهم عباد أي مخلوقون.
و( العبد ) أصله المملوك، ضد الحر، كما في قوله تعالى :﴿ الحر بالحر والعبد بالعبد ﴾ [ البقرة : ١٧٨ ] وقد أطلق في اللسان على المخلوق : كما في قوله تعالى :﴿ إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً ﴾ [ مريم : ٩٣ ] ولذلك يطلق العبد على الناس، والمشهور أنه لا يطلق إلا على المخلوقات من الآدميين فيكون إطلاقُ العباد على الأصنام كإطلاق ضمير جمع العقلاء عليها بناء على الشائع في استعمال العرب يومئذ من الإطلاق، وجعله صاحب "الكشاف" اطلاقَ تهكم واستهزاء بالمشركين، يعني أن قصارى أمرهم أن يكونوا أحياء عقلاء فلو بلغوا تلك الحالة لما كانوا إلا مخلوقين مثلكم، قال ولذلك أبطل أن يكونوا عباداً بفوله ﴿ ألهم أرجل ﴾ [ الأعراف : ١٩٥ ] إلى آخره.