وقال أبو السعود :
﴿ خُذِ العفو ﴾
بعد ما عُدّ من أباطيلِ المشركين وقبائحِهم ما لا يطاق تحمُّله أُمر عليه الصلاة والسلام بمجامع مكارمِ الأخلاق التي من جملتها الإغضاءُ عنهم، أي خذْ ما عفا لك من أفعال الناسِ وتسهل ولا تكلِّفْهم ما يشُقُّ عليهم، من العفو الذي هو ضدُّ الجَهدِ، أو خذ العفوَ من المذنبين أو الفضلَ من صدقاتهم وذلك قبل وجوبِ الزكاة ﴿ وَأْمُرْ بالعرف ﴾ بالجميل المستحسَن من الأفعال فإنها قريبةٌ من قَبول الناس من غير نكير ﴿ وَأَعْرِض عَنِ الجاهلين ﴾ من غير مماراةٍ ولا مكافأة، قيل :( لما نزلت سأل رسول الله ﷺ جبريلَ عليه السلام فقال : لا أدري حتى أسأل ثم رجع فقال : يا محمدُ إن ربك أمرك أن تصِل مَنْ قطعك وتعطيَ من حَرَمك وتعفُوَ عمّن ظلمك ) وعن جعفرٍ الصادقِ : أمر الله تعالى نبيَّه ﷺ بمكارم الأخلاق، وروي أنه لما نزلت الآيةُ الكريمةُ قال عليه الصلاة والسلام :" كيف يا ربّ والغضبُ متحقق؟ " فنزل قوله تعالى :﴿ وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ ﴾. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٣ صـ ﴾
وقال الآلوسى :
﴿ خذ العفو ﴾ أي عفا وسهل وتيسر من أخلاق الناس وإلى هذا ذهب ابن عمر وابن الزبير وعائشة ومجاهد رضي الله تعالى عنهم وغيرهم وأخرجه ابن أبي الدنيا عن إبراهيم بن آدم مرفوعا إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم والأخذ مجاز عن القبول والرضا أي ارض من الناس بما تيسر من أعمالهم وما أتى منهم وتسهل من غير كلفة ولا تطلب منهم الجهد وما يشق عليهم حتى لا ينفروا ومن ذلك قوله : خذي العفو مني تستديمي وجوز أن يراد بالعفو ظاهره أي خذ العفو عن المذنبين والمراد اعف عنهم وفيه إستعارة مكنية إذ شبه العفو بأمر محسوس يطلب فيؤخذ وإلى هذا ذهب جمع من السلف ويشهد له ما أخرجه ابن جرير وابن المنذر وغيرهما عن الشعبي قال : لما أنزل الله تعالى خذ العفو إلى آخره قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : ما هذا يا جبريل قال : لا أدري حتى أسأل العالم فذهب ثم رجع فقال : إن الله تعالى أمرك أن تعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك وتصل من قطعك


الصفحة التالية
Icon