فصل
قال الفخر :
﴿ أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ﴾
اعلم أن هذا نوع آخر من الدليل في بيان أنه يقبح من الإنسان العاقل أن يشتغل بعبادة هذه الأصنام.
وتقريره أنه تعالى ذكر في هذه الآية أعضاء أربعة، وهي الأرجل والأيدي والأعين والآذان، ولا شك أن هذه الأعضاء إذا حصل في كل واحدة منها ما يليق بها من القوى المحركة والمدركة تكون أفضل منها إذا كانت خالية عن هذه القوى، فالرجل القادرة على المشي واليد القادرة على البطش أفضل من اليد والرجل الخاليتين عن قوة الحركة والحياة، والعين الباصرة والأذن السامعة أفضل من العين والأذن الخاليتين عن القوة الباصرة والسامعة، وعن قوة الحياة، وإذا ثبت هذا ظهر أن الإنسان أفضل بكثير من هذه الأصنام، بل لا نسبة لفضيلة الإنسان إلى فضل هذه الأصنام ألبتة، وإذا كان كذلك فكيف يليق بالأفضل الأكمل الأشرف أن يشتغل بعبادة الأخس الأدون الذي لا يحس منه فائدة ألبتة، لا في جلب المنفعة ولا في دفع المضرة.
هذا هو الوجه في تقرير هذا الدليل الذي ذكره الله تعالى في هذه الآية، وقد تعلق بعض أغمار المشبهة وجهاً لهم بهذه الآية في إثبات هذه الأعضاء لله تعالى.
فقالوا : إنه تعالى جعل عدم هذه الأعضاء لهذه الأصنام دليلاً على عدم إلهيتها، فلو لم تكن هذه الأعضاء موجودة لله تعالى لكان عدمها دليلاً على عدم الإلهية وذلك باطل، فوجب القول بإثبات هذه الأعضاء لله تعالى.
والجواب عنه من وجهين :