فصل
قال الفخر :
﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٠٠) ﴾
وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
قال أبو زيد : لما نزل قوله تعالى :﴿وَأَعْرِض عَنِ الجاهلين﴾ [ الأعراف : ١٩٩ ] قال النبي ﷺ : كيف يا رب والغضب ؟ فنزل قوله :﴿وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ ﴾.
المسألة الثانية :
اعلم أن نزغ الشيطان، عبارة عن وساوسه ونخسه في القلب بما يسول للإنسان من المعاصي، عن أبي زيد نزغت بين القوم إذا أفسدت ما بينهم، وقيل النزغ الازعاج، وأكثر ما يكون عند الغضب، وأصله الازعاج بالحركة إلى الشر، وتقرير الكلام أنه تعالى لما أمره بالعرف فعند ذلك ربما يهيج سفيه ويظهر السفاهة فعند ذلك أمره تعالى بالسكوت عن مقابلته فقال :﴿وَأَعْرِض عَنِ الجاهلين﴾ ولما كان من المعلوم أن عند إقدام السفيه على السفاهة يهيج الغضب والغيظ ولا يبقى الإنسان على حالة السلامة وعند تلك الحالة يجد الشيطان مجالاً في حمل ذلك الإنسان على ما لا ينبغي، لا جرم بين تعالى ما يجري مجرى العلاج لهذا الغرض فقال :﴿فاستعذ بالله﴾ والكلام في تفسير الاستعاذة قد سبق في أول الكتاب على الاستقصاء.
المسألة الثالثة :
احتج الطاعنون في عصمة الأنبياء بهذه الآية وقالوا : لولا أنه يجوز من الرسول الإقدام على المعصية أو الذنب، وإلا لم يقل له ﴿وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ فاستعذ بالله﴾ والجواب عنه من وجوه : الأول : أن حاصل هذا الكلام أنه تعالى قال له : إن حصل في قلبك من الشيطان نزغ، كما أنه تعالى قال :﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [ الزمر : ٦٥ ] ولم يدل ذلك على أنه أشرك.
وقال :﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا﴾ [ الأنبياء : ٢٢ ] ولم يدل ذلك على أنه حصل فيهما آلهة.