و ﴿ أم ﴾ حرف بمعنى ( أو ) يختص بعطف الاستفهام، وهي تكون مثل ( أو ) لأحد الشيئين أو الأشياء، وللتمييز بين الأشياء، أو الإباحة أي الجمع بينها، فإذا وقعت بعد همزة الاستفهام المطلوب بها التعيين كانت مثل ( أو ) التي للتخيير، كقوله تعالى ﴿ قل ءالله أذن لكم أم على الله تفترون ﴾ [ يونس : ٥٩ ] أي عينوا أحدهما، وإن وقعت بعد استفهام غير حقيقي كانت بمعنى ( أو ) التي للإباحة، وتسمى، حينئذ منقطعة ولذلك يقولون إنها بمعنى ( بل ) الانتقالية وعلى كل حال فهي ملازمة لمعنى الاستفهام فكلما وقعت في الكلام قُدر بعدها استفهام، فالتقدير هنا، بل ألهم أيد يبطشون بها، بل ألهم أعين يبصرون بها، بل ألهم آذان يسمعون بها.
وترتيب هذه الجوارح الأربع على حسب ما في الآية ملحوظ فيه أهميتها بحسب الغرض، الذي هو النصر والنجدة، فإن الرجلين تسرعان إلى الصريخ قبل التأمل، واليدين تعملان عمل النصر وهو الطعن والضرب، وأما الأعين والآذان فإنهما وسيلتان لذلك كله فأخرا، وإنما قدم ذكر الأعين هنا على خلاف معتاد القرءان في تقديم السمع على البصر كما سبق في أول سورة البقرة لأن الترتيب هنا كان بطريق الترقي.
إذن من الله لرسوله بأن يتحداهم بأنهم إن استطاعوا استصرخوا أصنامهم لتتألب على الكيد للرسول عليه السلام، والمعنى ادعوا شركاءكم لينصروكم علي فتستريحوا مني.
والكيد الإضرار الواقع في صورة عدم الإضرار، كما تقدم عند قوله تعالى آنفاً ﴿ وأملي لهم إن كيدي متين ﴾ [ الأعراف : ١٨٣ ].
والأمر والنهي في قوله :﴿ كيدون فلا تنظرون ﴾ للتعجيز.
وقوله :﴿ فلا تنظرون ﴾ تفريع على الأمر بالكيد، أي فإذا تمكنتم من اضراري فأعجلوا ولا تؤجلوني.