فصل
قال الفخر :
أما قوله تعالى :﴿وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ﴾
فإن حملنا هذه الصفات على الأصنام.
قلنا : المراد من كونها ناظرة كونها مقابلة بوجهها وجوه القوم من قولهم : جبلان متناظران أي متقابلان، فإن حملناها على المشركين فالمعنى : أنهم وإن كانوا ينظرون إلى الناس إلا أنهم لشدة إعراضهم عن الحق لم ينتفعوا بذلك النظر والرؤية، فصاروا كأنهم عمي، وهذه الآية تدل على أن النظر غير الرؤية، لأنه تعالى أثبت النظر ونفي الرؤية، وذلك يدل على التغاير، وأجيب عن هذا الاستدلال فقيل : معناه تحسبهم أنهم ينظرون إليك مع أنهم في الحقيقة لا ينظرون، أي تظن أنهم ينظرونك مع أنهم لا يبصرونك، والرؤية بمعنى الحسبان واردة قال تعالى :﴿وَتَرَى الناس سكارى وَمَا هُم بسكارى﴾ [ الحج : ٢ ]. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٥ صـ ٧٧ ـ ٧٨﴾
وقال ابن عطية :
قوله تعالى :﴿ وإن تدعوهم ﴾ الآية،
قالت فرقة : المخاطبة للنبي ﷺ وأمته، والهاء والميم في قوله ﴿ تدعوهم ﴾ للكفار ووصفهم بأنهم لا يسمعون ولا يبصرون إذ لم يتحصل لهم عن النظر والاستماع فائدة ولا حلوا منه بطائل، قاله السدي ومجاهد، وقال الطبري : المراد بالضمير المذكور الأصنام، ووصفهم بالنظر كناية عن المحاذاة والمقابلة وما فيها من تخييل النظر كما تقول دار فلان تنظر إلى دار فلان، ومعنى الآية على هذا تبين جمودية الأصنام وصغر شأنها، وذهب بعض المعتزلة إلى الاحتجاج بهذه الآية على أن العباد ينظرون إلى ربهم ولا يرونه، ولا حجة لهم في الآية لأن النظر في الأصنام مجاز محض.
قال القاضي أبو محمد : وإنما تكرر القول في هذا وترددت الآيات فيه لأن أمر الأصنام وتعظيمها كان متمكناً من نفوس العرب في ذلك الزمن ومستولياً على عقولهها فأوعب القول في ذلك لطفاً من الله تعالى بهم. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٢ صـ ﴾