" إنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائباً اربؤوا على أنفسكم " وكان كلام الصحابة رضي الله عنهم للرسول ( ﷺ ) سراراً وكما قال تعالى :﴿ إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ﴾ وقال تعالى :﴿ لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبيّ ولا تجهروا له بالقول ﴾ لأنّ في الجهر عدم مبالاة بالمخاطب وظهور استعلاء وعدم تذلّل والذكر شامل لكلّ من التهليل والتسبيح وغير ذلك وانتصب ﴿ تضرّعاً وخيفة ﴾ على أنهما مفعولان من أجلهما لأنهما يتسبب عنهما الذكر وهو التضرّع في اتصال الثواب والخوف من العقاب ويحتمل أن ينتصبا على أنهما مصدران في موضع الحال أي متضرعاً وخائفاً أو ذا تضرُّع وخيفة، وقرىء وخفية والظاهر أن قوله ﴿ واذكر ﴾ خطاب للرسول ( ﷺ )، وقيل : خطاب لكلّ ذاكر، وقال ابن عطية : خطاب له ويعمّ جميع أمته، والظاهر تعلّق الذكر بالرب تعالى لأنّ استحضار الذات المقدسة استحضار لجميع أوصافها، وقيل : هو على حذف مضاف أي واذكر نعم ربك في نفسك باستدامة الفكر حتى لا تنسى نعمه الموجبة لدوام الشكر، وفي لفظة ربك من التشريف بالخطاب والإشعار بالإحسان الصادر من المالك للملوك ما لا خفاء فيه ولم يأت التركيب واذكر الله ولا غيره من الأسماء وناسب أيضاً لفظ الرب قوله ﴿ تضرعاً وخيفة ﴾ لأنّ فيه التصريح بمقام العبودية والظاهر أن قوله ﴿ ودون الجهر من القول ﴾ حالة مغايرة لقوله ﴿ في نفسك ﴾ لعطفها عليها والعطف يقتضي التغاير.


الصفحة التالية
Icon