قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : هو أن يسمع نفسه وقال الإمام : المراد أن يقع الذكر متوسطاً بين الجهر والمخافتة كما قال تعالى :﴿ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا ﴾ [ الإسراء : ١١٠ ] ويشعر كلام ابن زد أن المراد بالجهر مقابل الذكر في النفس، والآية عنده خطاب للمأموم المأمور بالإنصات أي اذكر ربك أيها المنصت في نفسك ولا تجهر بالذكر ﴿ بالغدو ﴾ جمع غدوة كما في "القاموس"، وفي "الصحاح" الغدو نقيض الرواح وقد غدا يغدو غدواً.
وقوله تعالى :﴿ بالغدو ﴾ أي بالغدوات جمع غدوة وهي ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس، فعبر بالفعل عن الوقت كما يقال : أتيتك طلوع الشمس أي وقت طلوعها، وهو نص في أن الغدو مصدر لا جمع، وعليه فقد يقدر معه مضاف مجموع أي أوقات الغدو ليطابق قوله سبحانه وتعالى :﴿ والاصال ﴾ وهو كما قال الأزهري جمع أصل، وأصل جمع أصيل أعني ما بين العصر إلى غروب الشمس فهو جمع الجمع وليس للقلة وليس جمعاً لأصيل لأن فعيلاً لا يجمع على أفعال، وقل : إنه جمع له لأنه قد يجمع عليه كيمين وأيمان، وقيل : إنه جمع لأصل مفرداً كعنق ويجمع على أصلان أيضاً، والجار متعلق باذكر، وخص هذان الوقتان بالذكر قيل لأن الغدوة عندها ينقلب الحيوان من النوم الذي هو كالموت إلى اليقظة التي هي كالحياة، والعالم يتحول من الظلمة التي هي طبعة عدمية إلى النور الذي هو طبيعة وجودة، وفي الأصل الأمر بالعكس، أو لأنهما وقتا فراغ فيكون الذكر فيهما ألصق بالقلب، وقيل : لأنهما وقتان يتعاقب فيهما الملائكة على ابن آدم، وقيل : ليس المراد التخصيص بل دوام الذكر واتصاله أي اذكر كل وقت.
وقرأ أبو مجاز لاحق بن حميد السدوسي ﴿ والإيصال ﴾، وهو مصدر آصل إذ ادخل في الأصيل وهو مطابق لغدو بناء على القول بإفراده ومصدريته فتذكر ﴿ وَلاَ تَكُنْ مّنَ الغافلين ﴾ عن ذكر الله تعالى. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٩ صـ ﴾