قال ابن إسحاق: وحدثني أبي إسحاق بن يسار وغيره من أهل العلم، عن أشياخ من الأنصار قالوا: لما اطمأن القوم بعثوا عمير بن وهب الجمحي، فقالوا: احزر لنا أصحاب محمد [ ( ﷺ ) ] قال: فاستجال بفرسه حول العسكر ! ثم رجع إليهم، فقال: ثلاث مائة رجل، يزيدون قليلاً أو ينقصون. ولكن أمهلوني حتى أنظر أللقوم كمين أو مدد. قال: فضرب في الوادي حتى أبعد فلم ير شيئاً، فرجع إليهم، فقال: ما وجدت شيئاً، ولكني قد رأيت يا معشر قريش، البلايا تحمل المنايا. نواضح يثرب تحمل الموت الناقع. قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجلاً منكم، فإذا أصابوا منكم أعدادهم، فما خير العيش بعد ذلك ؟ فروا رأيكم !
فلما سمع حكيم بن حزام ذلك مشى في الناس، فأتى عتبة بن ربيعة، فقال: يا أبا الوليد إنك كبير قريش وسيدها والمطاع فيها، هل لك إلى ألا تزال تذكر فيها بخير إلى آخر الدهر ؟ قال: وما ذاك يا حكيم ؟ قال: ترجع بالناس، وتحمل أمر حليفك عمرو بن الحضرمي. قال: قد فعلت، أنت عليّ بذلك، إنما هو حليفي فعليّ عقله [ أي دية أخيه الذي قتل في سرية عبد الله بن جحش كما سبق ] وما أصيب من ماله. فأت ابن الحنظلية فإني لا أخشى أن يشجر أمر الناس غيره. يعني أبا جهل بن هشام. ثم قام عتبة بن ربيعة خطيباً فقال: يا معشر قريش، إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمداً وأصحابه شيئاً. والله لئن أصبتموه لا يزال الرجل ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه، قتل ابن عمه أو ابن خاله أو رجلاً من عشيرته. فارجعوا وخلوا بين محمد وسائر العرب، فإن أصابوه فذاك الذي أردتم، وإن كان غير ذلك ألفاكم ولم تعرّضوا منه ما تريدون.


الصفحة التالية
Icon