قامت في وجهه الحكومات المتمكنة في عصره، وثار عليه جميع من كانوا يستغلون خيرات البلاد ويستثمرونها ظلماً وعدواناً.. خرجت تقاومه، وتضع في سبيل الدعوة العقبات. وذلك أن هذه الدعوة لم تكن مجرد بيان لعقيدة كلامية، أو شرح لمسألة من مسائل الإلهيات وإنما كانت نداء لانقلاب اجتماعي عالمي، ما كانت بوادره لتخفى على المستأثرين بمناصب العز والجاه، المستبدين بمنابع الثراء، ممن يشمون رائحة الاضطراب السياسي قبل حدوثه بأعوام !
"إن الإسلام ليس بمجرد مجموعة من العقيدة الكلامية، وجملة من المناسك والشعائر، كما يفهم من معنى الدين في هذه الأيام. بل الحق أنه نظام شامل، يريد أن يقضي على سائر النظم الباطلة الجائرة الجارية في العالم، ويقطع دابرها، ويستبدل بها نظاماً صالحاً، ومنهاجاً معتدلاً، يرى أنه خير للإنسانية من النظم الأخرى، وأن فيه نجاة للجنس البشري من أدواء الشر والطغيان، وسعادة له وفلاحاً في العاجلة والآجلة معاً.
"ودعوته في هذه السبيل، سبيل الإصلاح والتجديد والهدم والبناء، عامة للجنس البشري كافة، لا تختص بأمة دون أمة، أو طائفة دون طائفة. فهو يدعو بني آدم جميعاً إلى كلمته ; حتى إنه يهيب بالطبقات الجائرة نفسها ممن اعتدوا حدود الله في أرضه. واستأثروا بخيرات الأرض دون سائر الناس.. يهيب بالملوك والأمراء أنفسهم ويناديهم قائلاً: لا تطغوا في الأرض، وادخلوا في كنف حدود الله التي حدها لكم، وكفوا أيديكم عما نهاكم الله عنه وحذركم إياه. فإن أسلمتم لأمر الله، ودنتم لنظام الحق والعدل الذي أقامه للناس خيرا وبركة، فلكم الأمن والدعة والسلامة فإن الحق لا يعادي أحداً ; وإنما يعادي الحق الجور، والفساد والفحشاء، وأن يتعدى الرجل حدوده الفطرية، ويبتغي ما وراء ذلك، مما لا حظ له فيه حسب سنن الكون، وفطرة الله التي فطر الناس عليها.


الصفحة التالية
Icon