فصل
قال الفخر :
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾
اعلم أنه تعالى لما قال :﴿وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ واقتضى ذلك كون الإيمان مستلزماً للطاعة، شرح ذلك في هذه الآية مزيد شرح وتفصيل، وبين أن الإيمان لا يحصل إلا عند حصول هذه الطاعات فقال :﴿إِنَّمَا المؤمنون﴾ الآية.
واعلم أن هذه الآية تدل على أن الإيمان لا يحصل إلا عند حصول أمور خمسة : الأول : قوله :﴿الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ قال الواحدي يقال : وجل يوجل وجلاً، فهو وجل، وأوجل إذا خاف.
قال الشاعر :
لعمرك ما أدري وإني لأوجل.. على أينا تعدو المنية أول
والمراد أن المؤمن إنما يكون مؤمناً إذا كان خائفاً من الله، ونظيره قوله تعالى :﴿تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾ [ الزمر : ٢٣ ] وقوله :﴿الذين هُم مّنْ خَشْيةِ رَبّهِمْ مُّشْفِقُونَ﴾ [ المؤمنون : ٥٧ ] وقوله :﴿الذين هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خاشعون﴾ [ المؤمنون : ٢ ] وقال أصحاب الحقائق : الخوف على قسمين : خوف العقاب، وخوف العظمة والجلال.
أما خوف العقاب فهو للعصاة.
وأما خوف الجلال والعظمة فهو لا يزول عن قلب أحد من المخلوقين، سواء كان ملكاً مقرباً أو نبياً مرسلاً، وذلك لأنه تعالى غني لذاته عن كل الموجودات وما سواه من الموجودات فمحتاجون إليه، والمحتاج إذا حضر عند الملك الغني يهابه ويخافه، وليست تلك الهيبة من العقاب، بل مجرد علمه بكونه غنياً عنه، وكونه محتاجاً إليه يوجب تلك المهابة، وذلك الخوف.
إذا عرفت هذا فنقول : إن كان المراد من الوجل القسم الأول، فذلك لا يحصل من مجرد ذكر الله، وإنما يحصل من ذكر عقاب الله.