وهذا هو اللائق بهذا الموضع، لأن المقصود من هذه الآية إلزام أصحاب بدر طاعة الله وطاعة الرسول في قسمة الأنفال، وأما إن كان المراد من الوجل القسم الثاني، فذلك لازم من مجرد ذكر الله، ولا حاجة في الآية إلى الإضمار.
فإن قيل : إنه تعالى قال ههنا ﴿وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ وقال في آية أخرى :﴿الذين ءامَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ الله﴾ [ الرعد : ٢٨ ] فكيف الجمع بينهما ؟ وأيضاً قال في آية أخرى :﴿ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ الله﴾ [ الزمر : ٢٣ ] قلنا : الاطمئنان إنما يكون عن ثلج اليقين، وشرح الصدر بمعرفة التوحيد، والوجل إنما يكون من خوف العقوبة، ولا منافاة بين هاتين الحالتين، بل نقول : هذان الوصفان اجتمعا في آية واحدة، وهي قوله تعالى :﴿تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ الله﴾ [ الزمر : ٢٣ ] والمعنى : تقشعر الجلود من خوف عذاب الله، ثم تلين جلودهم وقلوبهم عند رجاء ثواب الله.
الصفة الثانية : قوله تعالى :﴿إِنَّمَا المؤمنون الذين إِذَا ذُكِرَ الله﴾ وهو قكلوه :﴿وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هذه إيمانا ﴾. [ التوبة : ١٢٤ ]
ثم فيه مسائل :
المسألة الأولى :
زيادة الإيمان الذي هو التصديق على وجهين :
الوجه الأول : وهو الذي عليه عامة أهل العلم على ما حكاه الواحدي رحمه الله : أن كل من كانت الدلائل عنده أكثر وأقوى كان أزيد إيماناً، لأن عند حصول كثرة الدلائل وقوتها يزول الشك ويقوى اليقين، وإليه الإشارة بقوله عليه السلام :" لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح " يريد أن معرفته بالله أقوى.
ولقائل أن يقول : المراد من هذه الزيادة : إما قوة الدليل أو كثرة الدلائل.


الصفحة التالية
Icon