أما قوة الدليل فباطل، وذلك لأن كل دليل فهو مركب لا محالة من مقدمات، وتلك المقدمات إما أن يكون مجزوماً بها جزماً مانعاً من النقيض أو لا يكون فإن كان الجزم المانع من النقيض حاصلاً في كل المقدمات، امتنع كون بعض الدلائل أقوى من بعض على هذا التفسير، لأن الجزم المانع من النقيض لا يقبل التفاوت، وأما إن كان الجزم المانع من النقيض غير حاصل إما في الكل أو في البعض فذلك لا يكون دليلاً، بل أمارة، والنتيجة الحاصلة منها لا تكون علماً بل ظناً، فثبت بما ذكرنا أن حصول التفاوت في الدلائل بسبب القوة محال، وأما حصول التفاوت بسبب كثرة الدلائل فالأمر كذلك، لأن الجزم الحاصل بسبب الدليل الواحد، إن كان مانعاً من النقيض فيمتنع أن يصير أقوى عند اجتماع الدلائل الكثيرة، وإن كان غير مانع من النقيض لم يكن دليلاً، بل كان أمارة ولم تكن النتيجة معلومة بل مظنونة، فثبت أن هذا التأويل ضعيف.
واعلم أنه يمكن أن يقال : المراد من هذه الزيادة الدوام وعدم الدوام، وذلك لأن بعض المستدلين لا يكون مستحضراً للدليل والمدلول إلا لحظة واحدة، ومنهم من يكون مداوماً لتلك الحالة وبين هذين الطرفين أوساط مختلفة، ومراتب متفاوتة، وهو المراد من الزيادة.
والوجه الثاني : من زيادة التصديق أنهم يصدقون بكل ما يتلى عليهم من عند الله، ولما كانت التكاليف متوالية في زمن الرسول ﷺ متعاقبة، فعند حدوث كل تكليف كانوا يزيدون تصديقاً وإقراراً، ومن المعلوم أن من صدق إنساناً في شيئين كان تصديقه له أكثر من تصديق من صدقه في شيء واحد.