وقوله :﴿إِنَّمَا المؤمنون الذين إِذَا ذُكِرَ الله﴾ معناه : أنهم كلما سمعوا آية جديدة أتوا بإقرار جديد فكان ذلك زيادة في الإيمان والتصديق، وفي الآية وجه ثالث : وهو أن كمال قدرة الله وحكمته، إنما تعرف بواسطة آثار حكمة الله في مخلوقاته، وهذا بحر لا ساحل له، وكلما وقف عقل الإنسان على آثار حكمة الله في تخليق شيء آخر، انتقل منه إلى طلب حكمة في تخليق شيء آخر، فقد انتقل من مرتبة إلى مرتبة أخرى أعلى منها وأشرف وأكمل، ولما كانت هذه المراتب لا نهاية لها، لا جرم لا نهاية لمراتب التجلي والكشف والمعرفة.
المسألة الثانية :
اختلفوا في أن الإيمان هل يقبل الزيادة والنقصان أم لا ؟ أما الذين قالوا : الإيمان عبارة عن مجموع الاعتقاد والإقرار والعمل، فقد احتجوا بهذه الآية من وجهين : الأول : أن قوله :﴿زَادَتْهُمْ إيمانا﴾ يدل على أن الإيمان يقبل الزيادة، ولو كان الإيمان عبارة عن المعرفة والإقرار لما قبل الزيادة.
والثاني : أنه تعالى لما ذكر هذه الأمور الخمسة.
قال : في الموصوفين بها ﴿أُوْلئِكَ هُمُ المؤمنون حَقّاً﴾ وذلك يدل على أن كل تلك الخصال داخل في مسمى الإيمان.
وروي عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال :" الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان " واحتجوا بهذه الآية على أن الإيمان عبارة عن مجموع الأركان الثلاثة.
قالوا : لأن الآية صريحة في أن الإيمان يقبل الزيادة، والمعرفة والإقرار لا يقبلان التفاوت، فوجب أن يكون الإيمان عبارة عن مجموع الإقرار والاعتقاد والعمل، حتى أن بسبب دخول التفاوت في العمل يظهر التفاوت في الإيمان، وهذا الاستدلال ضعيف، لما بينا أن التفاوت بالدوام وعدم الدوام حاصل في الاعتقاد والإقرار، وهذا القدر يكفي في حصول التفاوت في الإيمان، والله أعلم.
المسألة الثالثة :