وكانت عاتكة بنت عبد المطلب، رأت قبل أن يقدم ضمضم بن عمرو بثلاثة أيام في منامها، كأنّ راكباً أقبل على بعير أورق ومعه راية سوداء، فدخل المسجد الحرام، ثم نادى بأعلى صوته : يا آل فلان ويا آل فلان، انفروا إلى مصارعكم إلى ثلاث، ثم ارتقى على أبي قبيس ونادى ثلاث مرات.
ثم قلع صخرة من أبي قبيس فرماها على أهل مكة، فتكسرت فلم يبق أحد من قريش إلا أصابته فلقة منها.
فلما أصبحت، قصت رؤياها على أخيها العباس وقالت : إني اخاف أن يصيب قومك سوء.
فاغتم العباس لما سمع منها، وذكر العباس ذلك للوليد بن عتبة، وكان صديقاً له، فذكر الوليد ذلك لأبيه عتبة بن ربيعة، فذكر ذلك عتبة لأبي جهل بن هشام.
وفشا ذلك الحديث في قريش، فخرج العباس إلى المسجد وقد اجتمع فيه صناديد قريش يتحدثون عن رؤيا عاتكة، فقال أبو جهل : يا أبا الفضل، متى حدثت فيكم هذه النبية؟ أما رضيتم أن قلتم : منا نبي، حتى قلتم : منا نبية؟ فوالله لننتظرن بكم ثلاثاً، فإن جاء تأويل رؤياها ؛ وإلا كتبنا عليكم كتاباً أنكم أكذب أهل بيت في العرب.
فقال له العباس : يا كذاب، يا مصفر الاست، بالله أنت أولى بالكذب واللؤم منا.
فلما كان اليوم الثالث، جاء ضمضم، وقد شق قميصه، وجزع أذن ناقته، وجعل التراب على رأسه، وهو ينادي : يا معشر قريش، الغوث الغوث، أدركوا عيركم، فقد عرض لها أهل محمد.
فاجتمعوا وخرجوا، وهم كارهون مشفقون من رؤيا عاتكة، ومعهم القينات والدفوف بطراً ورياء ؛ كما قال الله تعالى :﴿ وَلاَ تَكُونُواْ كالذين خَرَجُواْ مِن ديارهم بَطَراً وَرِئَآءَ الناس وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله والله بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ [ الأنفال : ٤٧ ].
وكل يوم يطعمهم واحد من أغنيائهم.


الصفحة التالية
Icon